قال: وجعلت قبلة المسجد إلى بيت المقدس، وجعل له ثلاثة أبواب، باب في مؤخره والباب الذي كان يقال له باب عاتكة، وكان يقال له باب الرحمة، والباب الذي يقال له الآن باب جبريل. انتهى، أي وهو الباب الذي كان يدخل منه صلى الله عليه وسلم ويقال له باب عثمان، لأنه كان يلي دار عثمان، وهو الذي يخرج منه الآن إلى البقيع.
أقول: وجعل قبلته إلى بيت المقدس كان قبل أن تحول القبلة، ولما حولت قبلته إلى الكعبة وهذا محمل قوله صلى الله عليه وسلم «ما وضعت قبلة مسجدي هذا حتى رفعت لي الكعبة فوضعتها أتيممها أو أؤمها» أي أقصدها. وفي رواية «ما وضعت قبلة مسجدي هذا حتى فرج لي ما بيني وبين الكعبة» والله أعلم.
أي وفي كلام بعضهم: ومن الفوائد الحسنة ما ذكره مغلطاي، أن موضع المسجد كان ابتاعه تبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه بألف سنة، وإنه لم يزل على ملكه:
أي متعلقا به من ذلك العهد على ما دل عليه كتاب تبع.
أقول: سيأتي أن تبعا بنى للنبي صلى الله عليه وسلم دارا بالمدينة إذا قدمها ينزل في تلك الدار، وأنه يقال: إنها دار أبي أيوب.
وقد يجمع بأنه يجوز أن يكون ذلك المربد ودار أبي أيوب مجموعها تلك الدار، وأن تلك الدار قسمت فكان دار أبي أيوب بعضها وذلك المربد بعضها الآخر؛ وأن الأيدي تداولت سكنى تلك الدار إلى أن صارت سكنا لأبي أيوب، وهذا هو المراد بقول المواهب: تداولت الدار الملاك إلى أن صارت لأبي أيوب.
لكن قد يقال: لو كانت الدار مذكورة في الكتاب لذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الكتاب كما سيأتي وصل إليه في مكة في أول البعثة ونزوله دار أبي أيوب، وأخذه المربد على الكيفية المذكورة يبعد ذلك، أي أنه ذكر له أمر تلك الدار، والله أعلم.
قال «ومكث صلى الله عليه وسلم يصلي في المسجد بعد تمامه إلى بيت المقدس خمسة أشهر، ولما حولت القبلة سد صلى الله عليه وسلم الباب الذي كان في مؤخر المسجد» .
وفي كلام بعضهم: لما حولت القبلة لم يبق من الأبواب التي كان يدخل منها صلى الله عليه وسلم إلا الباب الذي يقال له باب جبريل عليه السلام، أي فإنه بقي في محله وأما باب الرحمة الذي كان يقال له أيضا باب عاتكة فأخر عن محله.
وسبب وضع الحصا في المسجد أن المطر جاء ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يأتي بالحصا في ثوبه فيبسطه تحته ليصلي عليه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: «ما أحسن هذا» وفي رواية «ما أحسن هذا البساط» .