والشافعي رضي الله تعالى عنه أخذ بأذان أبي محذورة وإقامة بلال، فاستحب الترجيع في الأذان والإفراد في الإقامة إلا لفظها.
وأبو حنيفة رحمه الله أخذ بأذان بلال وإقامة أبي محذورة، أي فلم يستحب الترجيع، واستحب تثنية ألفاظ الإقامة.
قال في الهدى: وأخذ مالك بما عليه عمل أهل المدينة من الاقتصار في التكبير على مرتين في الأذان وعلى كلمة الإقامة مرة واحدة؛ أي ولعل هذا بحسب ما كان في المدينة، وإلا ففي أبي داود «ولم يزل ولد أبي محذورة وهم الذين يلون الأذان بمكة يفردون الإقامة» أي معظم ألفاظها «ويحكونه عن جدهم» غير أن التثنية عنه أكثر؛ فيحتمل أن إتيان أبي محذورة بالإقامة فرادى، واستمراره وولده بعده على ذلك كان بأمر منه صلى الله عليه وسلم له بذلك بعد أمره أولا له بتثنيتها، أي فيكون آخر أمره الإفراد. وقد قيل لأحمد رضي الله تعالى عنه- وقد كان يأخذ بأذان بلال أي كما تقدم: أليس أذان أبي محذورة بعد أذان بلال، أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه له عند منصرفه من حنين على ما سيأتي، وهو الذي رواه إمامنا الشافعي رضي الله عنه عن أبي محذورة أنه قال «خرجت في نفر وكنا ببعض طريق حنين، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون» أي عن الطريق «فصرنا نحكيه ونستهزىء به، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم كلهم إليّ فحبسني» أي أبقاني عنده «وأرسلهم وقال: قم فأذن، فقمت ولا شيء أكره إليّ من النبي صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى عليّ التأذين هو بنفسه صلى الله عليه وسلم» الحديث «ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصيتي ومر بها على وجهي، ثم بين يدي، ثم على كبدي حتى بلغت يده سرتي، ثم قال: بارك الله فيك، وبارك عليك، فقلت: يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة، فقال صلى الله عليه وسلم: قد أمرتك به» وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهته وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمت على عتاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة فأذنت بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل علمه صلى الله عليه وسلم ذلك يوم فتح مكة لما أذن بلال رضي الله تعالى عنه للظهر على ظهر الكعبة، وصار فتية من قريش يستهزئون ببلال ويحكون صوته، وكان من جملتهم أبو محذورة، فأعجبه صلى الله عليه وسلم صوته فدعاه وعلمه الأذان، وأمره أن يؤذن لأهل مكة فليتأمل الجمع، وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي بالمتأخر عنه، لأن المتأخر ينسخ المتقدم، فقال: أليس لما عاد إلى المدينة أقر بلالا على أذانه؟.