قال أبو داود: وتثنية الأذان وإفراد الإقامة مذهب أكثر علماء الأمصار، وجرى به العمل في الحرمين والحجاز وبلاد الشام واليمن وديار مصر ونواحي المغرب، أي إلا مصر في المساجد التي تغلب صلاة الأروام بها فإن الإقامة تثنى كالأذان فيها.
وقد ذكر أن أبا يوسف رحمه الله ناظر إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في المدينة بين يدي مالك رضي الله تعالى عنه والرشيد، فأمر الشافعي بإحضار أولاد بلال وأولاد سائر مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: كيف تلقيتم الأذان والإقامة عن آبائكم؟ فقالوا: الأذان مثنى مثنى والإقامة فرادى، هكذا تلقيناه من آبائنا، وآباؤنا عن أسلافنا إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء «أنه صلى الله عليه وسلم سمع بلالا يقيم الصلاة، فلما قال:
قد قامت الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم أقامها الله وأدامها» وفي البخاري «من قال حين يسمع النداء: أي الأذان، اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته وجبت له شفاعتي يوم القيامة» .
قال بعضهم: كان المؤذنون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنين بلالا وابن أم مكتوم، فلما كان زمن عثمان رضي الله تعالى عنه جعلهم أربعا وزاد الناس بعده.
ولما مات صلى الله عليه وسلم ترك بلالا الأذان ولحق بالشام، فمكث زمانا، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: يا بلال جفوتنا وخرجت من جوارنا فاقصد إلى زيارتنا. وفي لفظ أنه قال له: ما هذه الجفوة يا بلال؟ ما آن لك أن تزورنا فانتبه بلال رضي الله تعالى عنه فقصد المدينة، فلما انتهى إلى المدينة تلقاه الناس، أي وأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه، وأقبل على الحسن والحسين يقبلهما ويضمهما، وألحوا عليه أن يؤذن، فلما صعد ليؤذن اجتمع أهل المدينة رجالهم ونساؤهم، وخرجت العذارى من خدورهن ليستمعوا أذانه رضي الله تعالى عنه، فلما قال: الله أكبر ارتجت المدينة وصاحوا وبكوا؛ فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله ضجوا جميعا، فلما قال:
أشهد أن محمدا رسول الله لم يبق ذو روح إلا بكى وصاح، وكان ذلك اليوم كيوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف إلى الشام وكان يرجع إلى المدينة في كل سنة مرة فينادي بالأذان إلى أن مات رضي الله تعالى عنه.
أقول: في كلام بعضهم كان سعد القرظ رضي الله تعالى عنه مؤذنه صلى الله عليه وسلم بقباء، فلما لحق بلال بالشام أيام عمر رضي الله تعالى عنه أمر سعد القرظ أن يؤذن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي فإن بلالا لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال: يا خليفة رسول الله، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أفضل أعمال المؤمن الجهاد في سبيل الله» وقد أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت، فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أنشدك الله يا بلال وحرمتي وحقي عليك أن لا تفارقني، فأقام بلال حتى توفي أبو بكر رضي الله تعالى عنه وهو يؤذن. ثم جاء إلى