عمر فقال له كما قال لأبي بكر وردّ عليه رضي الله عنه كما رد عليه أبو بكر، فأبى وخرج إلى الشام مجاهدا.
وفي «أنس الجليل» : لما فتح أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه بيت المقدس حضرت الصلاة، فقال: يا بلال أذن لنا يرحمك الله، قال بلال: يا أمير المؤمنين والله ما أردت أن أؤذن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ولكن سأطيعك إذ أمرتني في هذه الصلاة وحدها، فلما أذن بلال وسمعت الصحابة رضي الله تعالى عنهم صوته ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم فبكوا بكاء شديدا، ولم يكن من الصحابة يومئذ أطول بكاء من أبي عبيدة ومعاذ بن جبل، حتى قال لهما عمر رضي الله تعالى عنه:
حسبكما رحمكما الله تعالى، فلم يؤذن بلال بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة لما أمره عمر بالأذان؛ هذا ما في أنس الجليل، أي فالمراد بالمرة هذه المرة التي كانت ببيت المقدس.
وفيه أن هذا يخالف ما تقدم مما ظاهره أنه استمر يؤذن مدة خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وما تقدم من إلحاح الحسن والحسين عليه في أن يؤذن عند مجيئه للمدينة.
إلا أن يقال: المراد لم يؤذن خارج المدينة فلا يخالف ما سبق من أذانه بعد إلحاح الحسن والحسين، ولعل ما سبق كان بعد فتح بيت المقدس، بل وبعد موت الخلفاء الأربعة.
ثم رأيت الزين العراقي قال: لم يؤذن بلال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من الخلفاء، إلا أن عمر لما قدم الشام حين فتحها أذن بلال، هذا كلامه فليتأمل مع ما سبق.
وفي الكتاب المذكور: روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه «أن رجلا قال: يا رسول الله أي الخلق أول دخولا الجنة، قال: الأنبياء، قال: ثم من؟
قال الشهداء، قال: ثم من؟ قال مؤذنو بيت المقدس، قال: ثم من؟ قال مؤذنو بيت الحرام قال: ثم من؟ قال مؤذنو مسجدي، قال: ثم من؟ قال سائر المؤذنين» .
ثم رأيت في نسخة من شرح المنهاج للدميري عن جابر تقديم مؤذني المسجد الحرام على مؤذني بيت المقدس. ورأيت في بعض الروايات ما يوافقه، وهي «أول من يدخل الجنة بعدي أبو بكر ثم الفقراء، ثم مؤذنو المسجد الحرام، ثم مؤذنو بيت المقدس، ثم مؤذنو مسجدي، ثم سائرهم على قدر أعمالهم» .
وفي «البدور السافرة» عن جابر رضي الله تعالى عنه «أن رجلا قال: يا رسول الله أي الخلق أول دخولا الجنة يوم القيامة؟ قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال الشهداء،