وفي رواية «أذن اختصارا» : أي أمر بالأذان، أي وهذا المجمل الذي تشير إليه هو «فأذن صلى الله عليه وسلم على راحلته وأقام» : أي ويروى «أن بلالا كان يبدل الشين في أشهد سينا، فقال صلى الله عليه وسلم: سين بلال عند الله شين» قال ابن كثير: لا أصل لرواية سين بلال شين في الجنة، ولا يلزم من كون هذه الرواية لا أصل لها أن تكون تلك الرواية كذلك.
وكان بلال وابن أم مكتوم يتناوبان في أذاني الصبح، فكان أحدهما يؤذن بعد مضي نصف الليل الأول والليل باق، والثاني يؤذن بعد طلوع الفجر» وروى الشيخان «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» أي وفي مسلم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال أو قال نداء بلال من سحوره فإنه يؤذن، أو قال ينادي ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم، إنما يؤذن بليل بعد نصفه الأول، فيرجع القائم المتهجد إلى راحلته لينام غفوة ليصبح نشيطا ويستيقظ النائم ليتأهب للصبح» .
قال في الهدى: وانقلب على بعض الرواة، فقال إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال. أي وقد علمت أنه لا قلب وأنهما كانا يناديان، فكان بلال تارة يؤذن بليل وابن أم مكتوم عند الفجر الثاني، وتارة يكون ابن أم مكتوم بالعكس، فوقع كل من الأحاديث باعتبار ما هو موجود عند النطق، ولم يكن بين أذانيهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا: أي أن ينزل المؤذن الأول من أذانه ويرقى المؤذن الثاني كما ذكر، فمن كان يؤذن أولا يتربص بعد أذانه لنحو الدعاء ثم يرقب الفجر، فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر صاحبه فيرقى ويؤذن مع الفجر أو عقبه من غير فاصل، وهذا هو المراد مما قيل «إن ابن أم مكتوم كان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت» .
وعن ابن عمر كان ابن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه. وفي أبي داود عن ابن عمر «أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، فرجع فنادى: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام» أي غفل عن الوقت، أو رجع لينام لبقاء الليل، ولعل هذا كان قبل أن يتخذ ابن أم مكتوم مؤذنا ثانيا أو كان أذان بلال في هذه المرة بعد أذان ابن أم مكتوم على ما تقدم، فلا مخالفة.
والثابت في الجمعة أذان واحد كان يفعل بين يديه صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر وجلس عليه، كذا قال فقهاؤنا، مستدلين على ذلك بحديث البخاري عن السائب بن يزيد قال «كان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما» وليس فيه أن ذلك الأذان كان بين يديه ولما كثر المسلمون أمر عثمان رضي الله تعالى عنه، أي وقيل عمر، وقيل معاوية بأن يؤذن قبله على المنارة.