انقطاع نفقتهم، فإنهم كانت على عوامهم لقيامهم بالتوراة، فخافوا أن تؤمن عوامهم فتنقطع عنهم النفقة، أي وكانوا يقولون لمن أسلم: لا تنفقوا مالكم على هؤلاء، يعني المهاجرين فإنا نخشى عليكم الفقر، فأنزل الله تعالى الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النّساء: الآية ٣٧] أي من صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي يجدونها في كتابهم، فقد كان فيه «أكحل عين؛ ربعة جعد الشعر، حسن الوجه، فمحوه وقالوا نجده طويلا، أزرق العين، سبط الشعر، وأخرجوا ذلك إلى اتباعهم، وقالوا: هذا نعت النبي الذي يخرج آخر الزمان، وعند ذلك أنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ [البقرة: الآية ١٧٤] الآية.
وكان اليهود إذا كلموا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا راعنا سمعك وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ [النساء:
الآية ٤٦] ، ويضحكون فيما بينهم، أي لأن ذلك كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بلسان اليهود السب القبيح، فلما سمع المسلمون منهم ذلك ظنوا أن ذلك شيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبياءهم، فصاروا يقولون ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ففطن سعد بن معاذ لليهود يوما وهم يضحكون. فقال لهم: يا أعداء الله لئن سمعنا من رجل منكم هذا بعد هذا المجلس لأضربن عنقه: فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا [البقرة: الآية ١٠٤] .
وفي رواية أن اليهود لما سمعوا الصحابة رضي الله تعالى عنهم تقول له صلى الله عليه وسلم إذا ألقى عليهم شيئا: يا رسول الله راعنا: أي انتظرنا وتأن علينا حتى نفهم، وكانت هذه الكلمة عبرانية تتسابب بها اليهود، فلما سمعوا المسلمين يقولون له صلى الله عليه وسلم راعنا خاطبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم براعنا يعنون بها تلك السبة، ومن ثم لما سمع سعد بن معاذ ذلك من اليهود قال لهم: يا أعداء الله عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده إن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه، فقالوا: ألستم تقولونها فنزلت «وجاءه صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود بأطفالهم، فقالوا له: يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب؟
قال لا، فقالوا: والذي يحلف به ما نحن إلا كهيئتهم، ما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار وما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل، فأنزل الله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ [النّساء: الآية ٤٩] الآية.
وجاء «أن أحبار يهود منهم ابن صوريا: أي قبل أن يسلم على ما تقدم وشاس بن قيس وكعب بن أسيد اجتمعوا وقالوا نبعث إلى محمد لعلنا نفتنه في دينه، فجاؤوا إليه صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم، وإن اتبعناك اتبعك كل اليهود وبيننا وبين قوم خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم فنؤمن بك، فأبى ذلك عليهم فنزل قوله تعالى وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ [المائدة: الآية ٤٩] الآية» .