للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥] الآية ثم أمر به وجوبا أي بعد فتح مكة في السنة الثانية مطلقا، أي من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التّوبة: الآية ٣٦] أي جميعا في أي زمن.

فعلم أن القتال كان قبل الهجرة وبعدها إلى صفر من السنة الثانية محرّما، أي لأنه كان في ذلك مأمورا بالتبليغ، وكان إنذارا بلا قتال، لأنه نهى عنه في نيف وسبعين آية ثم صار مأذونا له فيه أي أبيح قتال من قاتل ثم أبيح قتال من لم يبدأ به في غير الأشهر الحرم، ثم أمر به مطلقا: أي لمن قاتل ومن لم يقاتل في كل زمن؛ أي في الأشهر الحرم وغيرها.

وظاهر كلام الإمام الإسنوي أن القتال في الحالة الثانية كان مأمورا به لا مباحا كالحالة الأولى. وعبارته: لما بعث صلى الله عليه وسلم أمر بالتبليغ والإنذار بلا قتال، فقال فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [النساء: الآية ٦٣] وقال وَاصْبِرْ [المزمّل: الآية ١٠] ثم أذن له بعد الهجرة في القتال إن ابتدؤوا فقال فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ [البقرة: الآية ١٩١] ثم أمر بذلك ابتداء ولكن في غير الأشهر الحرم فقال فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التّوبة: الآية ٥] ثم أمر به مطلقا فقال وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التّوبة: الآية ٣٦] هذا كلامه.

ولا يخفى أن الإسنوي ممن يرى أن «أمر» للوجوب، وهو يقتضي أن يكون الأمر به في الحالة الثانية للوجوب. والراجح ما علمت أن «أمر» مشترك بين الوجوب والندب، وأنه في الحالة الثانية مباح لا مأمور به.

ثم استقر أمر الكفار معه صلى الله عليه وسلم بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام:

القسم الأول محاربون له صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء المحاربون إذا كانوا ببلادهم يجب قتالهم على الكفاية في كل عام مرة أي يكفي ذلك في إسقاط الحرج كإحياء الكعبة، واستدل لذلك بقوله تعالى فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ [التّوبة: الآية ١٢٢] أي فهلا نفر. وقيل كان فرض عين، لقصة الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك. ويحتاج إلى الجواب عن ذلك.

وقيل كان فرض كفاية في حق الأنصار، وفرض عين في حق المهاجرين.

والقسم الثاني أهل عهد وهم المؤمنون من غير عقد الجزية: أي صالحهم ووادعهم على أن لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه عدوّهم، وهم على كفرهم آمنون على دمائهم وأموالهم.

والقسم الثالث أهل ذمة: أي وهم من عقدت لهم الجزية.

وهناك قسم آخر، وهو من دخل في الإسلام تقية من القتل وهم المنافقون كما تقدم. وأمر صلى الله عليه وسلم أن يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى، فكان معرضا عنهم إلا فيما يتعلق بشعائر الإسلام الظاهرة كالصلاة فلا يخالف ما رواه الشيخان «لقد

<<  <  ج: ص:  >  >>