هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم انطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» فقد ذكر أئمتنا أن ذلك ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون: أي أصلا بدليل السياق، أي لأن صدر الحديث «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر» أي جماعتهما «ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت الخ» .
وفي الخصائص الصغرى: وكان الجهاد في عهده صلى الله عليه وسلم فرض عين في أحد الوجهين عندنا، وكان إذا غزا بنفسه صلى الله عليه وسلم يجب على كل أحد الخروج معه، لقوله تعالى ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [التّوبة:
الآية ١٢٠] ومن ثم وقع لمن تخلف عنه في غزوة تبوك ما وقع.
وأما بعده صلى الله عليه وسلم فللكفار حالان مذكوران في كتب الفقه. وعند الإذن له صلى الله عليه وسلم في القتال خرج لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة: أي مكث بالمدينة باقي الشهر الذي قدم فيه وهو شهر ربيع الأوّل وباقي ذلك العام كله إلى صفر من السنة الثانية من الهجرة.
«فخرج صلى الله عليه وسلم غازيا حتى بلغ ودّان» بفتح الواو وتشديد الدال المهملة آخره نون:
وهي قرية كبيرة، بينها وبين الأبواء ستة أميال أو ثمانية. والأبواء بالمد: قرية كبيرة بين مكة والمدينة كما تقدم؛ سميت بذلك لتبوؤ السيول بها. وقيل لما كان فيها من الوباء فيكون على القلب، وإلا لقيل الأوباء. وحينئذ لا تخالف بين تسمية ابن الخفاف لها بغزوة ودّان وبين تسمية البخاري لها بغزوة الأبواء لتقارب المكانين، أي وفي الإمتاع: ودان جبل بين مكة والمدينة.
وأقول: قد يقال لا منافاة، لأنه يجوز أن تكون تلك القرية كانت عند الجبل المذكور فسميت باسمه، والله أعلم.
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين ليس فيهم أنصاري يعترض عيرا لقريش ولبني ضمرة أي وخرج صلى الله عليه وسلم لبني ضمرة، فكان خروجه للشيئين كما يفهم من الأصل.
ويوافقه قول بعضهم: وخرج صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا من أصحابه يريد قريشا وبني ضمرة. والمفهوم من سيرة الشامي أن خروجه صلى الله عليه وسلم إنما كان لاعتراضه العير، وإنه اتفق له موادعة بني ضمرة، ويوافقه قول الحافظ الدمياطي: خرج يعترض عيرا لقريش، فلم يلق كيدا. وفي هذه الغزوة وادع بني ضمرة هذا كلامه، أي صالح سيدهم حينئذ، وهو مجدي بن عمر.
وعبارة بعضهم: فلما بلغ الأبواء لقي سيد بني ضمرة مجدي بن عمر الضمري، فصالحه ثم رجع إلى المدينة والمصالحة على أن لا يغزوهم ولا يغزوه ولا