هذه اللفظة محفوظة فتحمل على أن بعض المسلمين ممن لم يشتهر، قتل في تلك المدة في غير الجهاد.
ثم قال: وذكر لي بعض الفضلاء أنه يجوز أن يراد من قتل بمكة من المستضعفين كأبوي عمار، فقلت: يحتاج إلى ثبوت أن قتلهما كان بعد الإسراء، هذا كلام الحافظ وفيه أن الركعتين اللتين كان يصليهما وهو والمسلمون بالغداة وبالعشي قبل فرض الصلوات الخمس كانتا لبيت المقدس، فقد تقدم أنه كان يصلي هو وأصحابه إلى الكعبة ووجوههم إلى بيت المقدس، فكانوا يصلون بين الركنين اليماني والذي عليه الحجر الأسود لأجل استقبال بيت المقدس، وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم لم يلتزم ذلك بل كان في بعض الأوقات يصلي إلى الكعبة في أي جهة أراد.
ثم لما قدم المدينة صار يستقبل بيت المقدس ويستدبر الكعبة إلى وقت التحويل، ومن ثم قال في الأصل «ولما كان صلى الله عليه وسلم يتحرى القبلتين جميعا أي يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس لم يتبين توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة» أي فإنه استدبر الكعبة واستقبل بيت المقدس.
فقول ابن عباس؛ لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واليهود يستقبلون بيت المقدس، أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس، معناه أمره الله تعالى أن يستمر على استقبال بيت المقدس، وهذا هو المراد بقوله الذي نقله بعضهم عنه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة، فلما هاجروا أمره الله تعالى أن يصلي نحو صخرة بيت المقدس، أي يستمر على ذلك ويستدبر الكعبة، ثم أمره الله باستقبال الكعبة واستدبار بيت المقدس؛ فلم يقع النسخ مرتين كما قد يفهم من ظاهر السياق ومن قول ابن جرير صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة، فصلى صلاة ثلاث حجج، ثم هاجر فصلى إليه، ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة» هذا كلامه، ومن ثم قال الحافظ ابن حجر: هذا ضعيف، ويلزم منه دعوى النسخ مرتين. قيل وكان أمره بمداومة استقبال بيت المقدس ليتألف أهل الكتاب لأنه كان ابتداء الأمر يحب أن يتألف أهل الكتاب فيما لم ينه عنه، فلا يخالف ما سبق من أنه كان يحب أن يستقبل الكعبة كراهة لموافقة اليهود في استقبال بيت المقدس ولا يخالف هذا قول بعضهم، كان صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه، وبعد الفتح يحب مخالفتهم، لجواز أن يكون ذلك أغلب أحواله.
وقد يؤخذ من استدامة استقباله لبيت المقدس كان لتألف أهل الكتاب، جواب عما يقال إذا كانت الكعبة قبلة الأنبياء كلهم، فلم وفق إلى استقبال بيت المقدس وهو بمكة؟ بناء على أن صلاته لبيت المقدس وهو بمكة كانت باجتهاد.
وحاصل الجواب أنه أمر بذلك أو وفق إليه، لأنه سيصير إلى قوم قبلتهم بيت