لليهود، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث إشكال، فإن سياقه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما صام يوم عاشوراء ولا أمر بصيامه، إلا في السنة التي توفي فيها وهو مخالف لما سبق.
ويجاب عن هذا الإشكال بأن المراد بقوله حين صام: أي حين واظب على صومه. واتفق أن قول بعض الصحابة ذلك كان في السنة التي توفي فيها، وهو صلى الله عليه وسلم كان شأنه موافقة أهل الكتاب قبل فتح مكة ومخالفتهم بعده كما تقدم، وبعض متأخري فقهائنا ظن أن قوله صلى الله عليه وسلم «إذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمن اليوم التاسع» من تتمة حديث «ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصومه فصامه وأمر بصيامه» فاستشكل.
وأجاب، بأن المراد لما قدم من سفرة سافرها من المدينة بعد الهجرة. أي وكان قدومه من تلك السفرة في السنة التي توفي فيها، وقد علمت أنهما حديثان؛ وقد علمت معنى الحديث الذي تتمته إذا كان العام المقبل. وفي كون إغراق فرعون ونجاة موسى كان يوم قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة يلزم عليه أن ذلك اليوم انتقل من ذلك الشهر إلى اليوم العاشر من المحرم الذي هو الشهر الهلالي من السنة الثانية، واستمر كذلك كما هو ظاهر سياق الأحاديث أن الذي واظب على صيامه إنما هو ذلك اليوم، وكونه وافق اليهود على صوم ذلك اليوم، ثم خالفهم في السنة الثانية وما بعدها من أبعد البعيد.
ثم رأيت أبا الريحان البيروتي نازع في ذلك في كتابه «الآثار الباقية عن القرون الخالية» حيث قال: رواية أن الله أغرق فرعون ونجى موسى وقومه يوم قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة لامتحان يشهد عليها بالبطلان، وبين ذلك بما يطول. وحينئذ يكون من جملة ما يحكم عليها بالبطلان إقرارهم على ذلك؛ وكونه صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه وفرض الله عز وجل عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته صيام شهر رمضان أو الإطعام عن كل يوم مسكينا بقوله تعالى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة: الآية ١٨٤] من الأصحاء المقيمين فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً [البقرة: الآية ١٨٤] : أي زاد على إطعام المسكين فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة: الآية ١٨٤] أي من الفطر والإطعام، فكان من شاء صام، ومن شاء أطعم عن كل يوم مدا.
ثم إن الله تعالى نسخ هذا التخيير بإيجاب صوم رمضان عينا بقوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ [البقرة: الآية ١٨٥] أي علمه فَلْيَصُمْهُ [البقرة: الآية ١٨٥] إلا في حق من لا يستطيع صومه لكبر أو لمرض لا يرجى زواله فيجزيه الإطعام ورخص فيه للمريض، أي إذا كان بحيث تحصل له مشقة تبيح التيمم، وللمسافر أي الذي يباح له قصر الصلاة وإن لم يحصل له مشقة بالكلية مع وجوب القضاء إذا زال المرض والسفر بقوله تعالى وَمَنْ