كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: الآية ١٨٥] أي فأفطر فعليه صيام عدة ما أفطر من أيام أخر، وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا بعد الغروب أو يدخل وقت العشاء الآخرة، فإذا ناموا أو دخل وقت العشاء الآخرة امتنع عليهم ذلك إلى الليلة القابلة، ثم نسخ الله ذلك، وأحل الأكل والشرب وإتيان النساء إلى طلوع الفجر ولو بعد النوم ودخول وقت العشاء بقوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة: الآية ١٨٧] ثم قال تعالى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ [البقرة: الآية ١٨٧] ولما فهم بعض الصحابة أن المراد الخيط حقيقة حتى صار يجعل عند وسادته حبلا أبيض وحبلا أسود أنزل الله تعالى من الفجر إشارة إلى أن المراد بياض النهار وسواد الليل.
وذكر في التفسير في سبب نزول هذه الآية:«أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه واقع أهله بعد ما صلى العشاء، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة، إني رجعت إلى أهلي فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي، فجامعت أهلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنت جديرا بذلك يا عمر. فقام رجال فاعترفوا بمثله، فنزلت» وذكر له صلى الله عليه وسلم أن بعض أصحابه سقط مغشيا عليه بسبب الصوم، فسأله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأخبر أنه أهل حرث، وأنه جاء لينظر ما تعمله له زوجته ليتعشى به فغلبته عينه فنام فلم يستيقظ إلا بعد الغروب، فلم يتناول شيئا فأنزل الله تعالى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة: الآية ١٨٧] الآية: وقوله تعالى كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: الآية ١٨٣] جاء في بعض الروايات، أن المراد بهم أهل الكتاب: أي اليهود والنصارى، جاء في بعضها أن المراد بهم النصارى خاصة، وجاء في بعض الروايات أن المراد بهم جميع الأمم السابقة:
فقد جاء «ما من أمة إلا وجب عليها صوم رمضان إلا أنهم أخطؤوه ولم يهتدوا له» وهذه الرواية تدل على أنه لم يصمه أحد من الأمم السابقة. فصومه من خصوصيات هذه الأمة.
وفي الأنساب لابن قتيبة «أول من صام رمضان نوح عليه الصلاة والسلام» هذا كلامه: وفي بعض الروايات ما يفيد أن النصارى صامته، واتفق أنه وقع في بعض السنين في شدة الحر فاقتضى رأيهم تأخيره بين الصيف والشتاء، وأن يزيدوا في مقابلة تأخيره عشرين يوما، وعلى هذا فصومه ليس من خصائص هذه الأمة، وقيل التشبيه إنما هو في مطلق الصوم لا في خصوص صوم رمضان، لأنه كان الواجب على جميع ما تقدم من الأمم صوم ثلاثة أيام من كل شهر، صام ذلك نوح فمن دونه حتى صامه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم؛ وتقدم أن تلك الأيام التي صامها صلى الله عليه وسلم كانت البيض التي هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وتقدم أنه قيل: إن صوم ذلك كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته.