بالعنزة فطعنته في عينه فمات، وأردت إخراجها فوضعت رجلي عليه، ثم تمطيت فكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفها. ولما قبض صلى الله عليه وسلم أخذها الزبير، ثم طلبها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأعطاه إياها، فلما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه أخذها الزبير ثم سألها عمر رضي الله تعالى عنه فأعطاه إياه، فلما قبض عمر أخذها، ثم طلبها عثمان فأعطاه إياها، فلما قتل دفعت إلى علي، ثم أخذها عبد الله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل.
«وكان صلى الله عليه وسلم إذا رجع من صلاة عيد الفطر وخطبته يقسم زكاة الفطر بين المساكين» ولعل المراد الزكاة المتعلقة به لأنه تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر الناس بإخراجها قبل الصلاة. إلا أن يقال المراد بإخراجها جمعها له صلى الله عليه وسلم ليفرقها.
«وإذا فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاة الأضحى وخطبته يؤتى له بكبشين وهو قائم في مصلاه فيذبح أحدهما بيده ويقول: هذا عن أمتي جميعا، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ» .
وعند الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا أقرن بالمصلى، أي بعد أن قال: بسم الله والله أكبر. وقال: اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي» .
واستدل بذلك على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن يضحي عن غيره بغير إذنه «ويذبح الآخر ويقول: هذا عن محمد وآل محمد، فيأكل هو وأهله منهما، ويطعم المساكين، ولم يترك الأضحية قط» وهل كانت الأنبياء من بعد إبراهيم تضحي هم وأممهم أو هم خاصة؟ وكان في مسجده صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قبل أن يوضع له المنبر يخطب ويسند ظهره إلى أسطوانة من جذوع النخل أو من الدوم وهو شجر المقل.
وعبارة بعضهم «كان يخطب الناس وهو مستند إلى جذع عند مصلاه في الحائط القبلي، فلما كثر الناس أي وقالوا له صلى الله عليه وسلم: لو اتخذت شيئا تقوم عليه إذا خطبت يراك الناس وتسمعهم خطبتك، فقال: ابنوا لي منبرا فلما بني له المنبر عتبتين، أي ومحل الجلوس، فكان ثلاث درجات، وقام عليه في يوم جمعة أي وخطب» وفي لفظ «لما عدل إلى المنبر ليخطب عليه وجاوز ذلك الجذع سمع لتلك الأسطوانة حنين كحنين الواله بصوت هائل سمعه أهل المسجد حتى ارتج» أي اضطرب «المسجد، وكثر بكاء الناس لذلك، ولا زالت تحنّ حتى تصدعت وانشقت» أي وفي رواية «سمع له صوت كصوت العشار» أي النوق التي أتى لحملها عشرة أشهر. وقيل التي أخذ ولدها. وفي بعض الروايات «كحنين الناقة الحلوج» وهي التي انتزع ولدها منها. وفي رواية «جأر» بفتح الجيم وبعدها همزة مفتوحة: أي صوت، أو بالخاء المعجمة بلا همزة وهو بمعناه «كخوار الثور، فنزل صلى الله عليه وسلم فالتزمها وحضنها» أي فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت فيسكت.