للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي وفي كلام بعضهم: وذكر الإسفراييني «أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى نفسه فجاءه يخرق الأرض، فالتزمه فعاد إلى مكانه» وفي رواية «ووضع يده عليها، وقال لها اسكني واسكتي فسكتت» وفي رواية «أن هذا» أي الجذع «يبكي لما فقد من الذكر، والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا» أي يحن إلى يوم القيامة. زاد في رواية «حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم» وقوله لما فقد من الذكر هو واضح على الرواية الأولى. وأما على الثانية فالمراد لما يفقده من الذكر، وإلى حنين الجذع أشار الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله:

وحن إليك الجذع حين تركته ... حنين الثكالى عند فقد الأحبة

وعن بعضهم قال: قال لي الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم، فقلت أعطى عيسى إحياء الموتى، فقال: أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم حنين الجذع، فهذا أكبر من ذاك. وفي رواية «لا تلوموه» أي الجذع «على حنينه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارق شيئا إلا وجد عليه» أي حزن. وفي رواية «أنه قال له: إن شئت أردك إلى الحائط» أي البستان الذي كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد لك خوص وثمرة، وإن شئت أغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك.

ثم أصغى له صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقول فقال بصوت سمعه من يليه: بل تغرسني في الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت قد فعلت» وفي رواية «لما أصغى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اختار أن أغرسه في الجنة» أي وفي رواية «اختار دار البقاء على دار الفناء» ولا يخالف ما قبله، لأنه يجوز أن يكون السائل من غير من سمع جوابه وأمر به فدفن تحت المنبر، وقيل جعل في السقف وأخذه عنده أبيّ رضي الله عنه بعد أن هدم المسجد وأزيل سقفه، فكان عنده إلى أن أكلته الأرضة وعاد رفاتا أي متكسرا من شدة اليبس.

أقول: في سيرة الحافظ الدمياطي قالوا «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب إلى جذع في المسجد قائما، فقال: إن القيام شق عليّ، فقال له تميم الداري ألا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام، أي تصنعه النصارى في كنائسهم لأساقفتهم تسمى المرقاة يصعدون إليها عند تذكيرهم فتشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذوه، فقال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما إن لي غلاما يقال له كلاب أعلم الناس أي بالنجارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره أن يعمله، فأرسله إلى أثلة بالغابة فقطعها ثم عمل منها درجتين ومقعدا، ثم جاء به فوضعه في موضعه اليوم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام عليه» أي وقال «إن أتخذ منبرا فقد اتخذه أبي إبراهيم» أي ولعله صلى الله عليه وسلم عنى به المقام الذي كان يقوم عليه عند بناء البيت وهو الحجر، إلا إن ثبت أن إبراهيم كان له منبر يحدث عليه الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>