يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي وصار يقول: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء، فلم يزل يرمي بها. وكان الرجل يمرّ بالجعبة بضم الجيم من النبل فيقول صلى الله عليه وسلم انثرها لأبي طلحة، أي وكسر ذلك اليوم قوسين أو ثلاثة، وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرف: أي ينظر إلى القوم. وفي لفظ: ليرى مواضع النبل، فيقول له أبو طلحة: يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك انتهى، أي ويتطاول أبو طلحة بصدره يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واستدل بذلك على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجب على كل مؤمن أن يؤثر حياته صلى الله عليه وسلم على حياته. قال: فلا خلاف أن هذا لا يجب لغيره، وهذا المذكور عن أبي طلحة من قوله: نحري دون نحرك نقله ابن المنير عن سعد بن أبي وقاص فقال ولهذا قال سعد يوم أحد: نحري دون نحرك، ولا زال صلى الله عليه وسلم يرمي عن قوسه أي المسماة بالكتوم لعدم تصويتها إذا رمى عنها حتى صارت شظايا: أي ذهب منها قطع.
وفي رواية: رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها، والسية: ما انعطف من طرفي القوس اللذين هما محل الوتر. قال: وما زال صلى الله عليه وسلم يرمي عن قوسه حتى تقطع وتره وبقيت في يده منه قطعة تكون شبرا في سية القوس، فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتره له. فقال: يا رسول الله لا يبلغ الوتر، فقال: مده يبلغ. قال عكاشة: فو الذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ وطويت منه لفتين أو ثلاثا على سية القوس، ورمي صلى الله عليه وسلم بالحجارة وكان أقرب الناس إلى القوم اهـ.
أي وأنكر الإمام أبو العباس بن تيمية كونه صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى صارت شظايا، أي لأنه يبعد وجود رميه صلى الله عليه وسلم من غير إصابة، ولو أصاب أحدا لذكر، لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله. وقاتل جماعة من أصحابه منهم سعد بن أبي وقاص، فإنه كان من الرماة المذكورين رمى بقوسه. قال سعد: لقد رأيته: يعني النبي صلى الله عليه وسلم يناولني النبل ويقول «ارم فداك أبي وأمي» حتى إنه ليناولني السهم ما له نصل فيقول ارم به. وقد تقدم أنه رمى بسهم من تلك السهام التي لا نصل لها لمن رمى أم أيمن.
قال: وفي رواية عن سعد قال «أجلسني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامه، فجعلت أرمي وأقول: اللهم سهمك فارم به عدوّك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم استجب لسعد، اللهم سدد رميته، وأجب دعوته، حتى إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته» اهـ أي فكان سعد مجاب الدعوة كما تقدم.
ولما سعى أهل الكوفة به إلى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه، أرسل جماعة للكوفة يسألون عن حاله من أهل الكوفة، فصاروا كلما سألوا عنه أحدا قال خيرا