للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأثنى عليه معروفا، حتى سألوا رجلا يقال له أبو سعدة ذمه وقال: لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. فلما بلغ سعدا ذلك قال: اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره، وأدم فقره، وأعم بصره، وعرضه للفتن، فعمي، وافتقر، وكبر سنه، وصار يتعرض للإماء في سكك الكوفة؛ فإذا قيل له: كيف أنت يا أبا سعدة؟ يقول: شيخ كبير فقير مفتون أصابتني دعوة سعد.

قيل لسعد: لم تستجاب دعوتك من دون الصحابة؟ فقال: ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا أعلم من أين جاءت، ومن أين خرجت؟ أي لأنه جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما «تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً [البقرة: الآية ١٦٨] فقام سعد بن أبي وقاص وقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال: والذي نفس محمد بيده إن العبد ليعقد اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما» .

وقد جاء في الحديث «من كان مأكله حراما، ومشربه حراما، وملبسه حراما فأنى يستجاب له» فليتأمل هذا الجواب.

وقد يقال: مراد سعد بقوله: ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، أي ممن يأكل الحلال الطيب ويميز عند الأكل بين الحرام وبين غيره حتى أكون مستجاب الدعوة.

ولعل المراد بالأكل ما يشمل الشرب. ولعل السكوت عن اللبس لأنه نادر بالنسبة للأكل، وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله «والذي نفس محمد بيده» تقرير لما فهمه سعد رضي الله عنه أن من يأكل غير الحلال لا يكون مستجاب الدعوة تأمل.

والحق أن سبب استجابة دعوة سعد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، ولعله إنما لم يجب بذلك لمن سأله بقوله لم تستجاب دعوتك من بين الصحابة، لأنه يجوز أن يكون دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك تأخر عن هذا فليتأمل.

وفي الشرف «أن سعدا رضي الله عنه رمى يوم أحد ألف سهم ما منها سهم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ارم فداك أبي وأمي، ففداه في ذلك اليوم ألف مرة» .

وعن علي كرم الله وجهه «ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فداك أبي وأمي إلا لسعد رضي الله عنه» وفي رواية «فما جمع صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد إلا لسعد رضي الله تعالى عنه» .

قال في النور: الرواية الأولى أصح، لأنه أخبر فيها أنه لم يسمع، أي لأنه حينئذ لا يخالف ما جاء عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع لأبيه الزبير رضي الله عنه بين أبويه، أي قال له فداك أبي وأمي كسعد» أي وذلك في

<<  <  ج: ص:  >  >>