ومات ابن صيفي على الصفة التي ... ذكرت وحيدا بعد طرد وغربة
وقد كان أبو عامر هذا خرج من المدينة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خمسون غلاما، وقيل خمسة عشر من قومه من الأوس، فلحق بمكة وكان يعد قريشا أنه لو لقي قومه: أي الأوس لم يختلف عليه منهم رجلان. فلما جاء مع قريش نادى: يا معشر الأوس أنا أبو عامر، وقالوا له: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق، أي وفي لفظ قالوا له: لا مرحبا بك ولا أهلا يا فاسق. ولا مانع من صدور الأمرين منهم، فلما سمع ردّهم عليه قال لعنه الله: لقد أصاب قومي بعدي شرّ، ثم قاتل قتالا شديدا.
وهو الذي حفر الحفائر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون، التي وقع في إحداها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، أي وكان هو أوّل من أثار الحرب وضرب بأسهم في وجوه المسلمين، واستأذن ولده حنظلة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله فنهاه عن قتله.
وسبب قتل حنظلة رضي الله تعالى عنه أن حنظلة ضرب فرس أبي سفيان فوقع على الأرض فصاح وعلاه حنظلة رضي الله عنه يريد ذبحه فرآه شدّاد بن الأوس كذا في الأصل قيل وصوابه شدّاد بن الأسود، فحمل عليه فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن صاحبكم، يعني حنظلة، لتغسله الملائكة» أي وفي رواية «رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة فسئلت صاحبته أي زوجته وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين أخت ولده عبد الله رضي الله عنهما، فقالت: خرج جنبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لذلك غسلته الملائكة» فإنه دخل عليها عروسا تلك الليلة التي صبيحتها أحد، وقد كان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: أي في الدخول بها، فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلزمته، فكان معها فأجنب منها ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى العدّو فعجل عن الغسل إجابة للداعي.
وفي رواية أنها قالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة: أي الصياح بالخروج للعدّو. وفي لفظ: الهائعة. وفي لفظ: الهيعة، من الهياع: وهو الصياح الذي فيه فزع. وقد جاء في الحديث «خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه» فلما سمع هيعة طار إليها.
وفي رواية: وقد كان غسل أحد شقيه، فخرج ولم يغسل الشق الآخر. وقد رأت هي تلك الليلة أن السماء قد فرجت فدخل فيها ثم أطبقت. وجاء أنها أشهدت أربعة من قومها عليه بالدخول بها خشية أن يكون في ذلك نزاع، قالت: لأني رأيت السماء فرجت فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت هذه الشهادة وعلقت منه بعبد الله بن حنظلة رضي الله عنه في تلك الليلة. وعبد الله هذا هو الذي ولاه أهل المدينة عليهم