وفي رواية «فحملوهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها، فجاء منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردوا القتلى إلى مضاجعهم، فأدرك المنادي واحدا لم يكن دفن فردّ ومن دفن أبقوه.
ولما أشرف صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد قال «أنا شهيد على هؤلاء، وما من جرح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمي جرحه، اللون لون الدم والريح ريح المسك» .
وفي رواية «إنه ليس مكلوم يكلم في الله تعالى إلا وهو يأتي يوم القيامة لونه» أي لون الكلم أي الجرح «لون الدم، وريحه ريح مسك» أي وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا، لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا» أي يمتنعوا عن الحرب «فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ [آل عمران: الآية ١٦٩] الآية.
وقد بينت في «النفخة العلوية» أن الأرواح في البرزخ متفاوتة في مستقرها أعظم تفاوت، فلا تعارض بين الأدلة الدالة على تلك الأقوال المختلفة، وحينئذ تكون أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع كونها في الملأ الأعلى متفاوتة فيه، وأرواح المؤمنين غير الشهداء أو غير الأطفال. منها ما هو سماوي ومنها ما هو أرضي.
وأرواح الأطفال في حواصل عصافير الجنة عند جبال المسك. وأرواح الشهداء منهم من تكون روحه على باب الجنة. ومنهم من تكون داخلها، وحينئذ إما أن تكون في جوف طير أخضر أو طير أبيض. ومنهم من تكون روحه على صورة الطير.
وفي كلام القرطبي رحمه الله قال علماؤنا: أرواح الشهداء طبقات مختلفة، ومنازل متباينة يجمعها أنهم يرزقون، أي وتقدّم الكلام على رزقهم.
أي ومن جملة من قتل من الصحابة يوم أحد أبو جابر أي كما تقدّم فقال صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه «يا جابر ألا أخبرك ما كلم الله تعالى أحدا قط» لعل المراد من هؤلاء الشهداء كما يرشد إليه السياق «إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحا، فقال: سلني أعطك، فقال: أسألك أن أردّ إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال الرب عز وجل: إنه سبق مني أنهم لا يرجعون إلى الدنيا. قال: أي رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً [آل عمران: الآية ١٦٩] الآية.
أي ولا مانع من تعدد النزول للآية فلا يخالف ما تقدم قريبا.