وقد خاف بعضهم بعضا: أي خاف المسلمون أن تغير المشركون عليهم وهم غارون أي غافلون حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف، وكانت أول صلاة للخوف صلاها.
قال وفي رواية «حانت صلاة الظهر فصلاها صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فهمّ بهم المشركون، فقال قائلهم: دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه هي أحبّ إليهم من أبنائهم، أي وهي صلاة العصر، فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فصلى صلاة العصر صلاة الخوف» اهـ.
أقول: سيأتي هذا كله بعينه في غزوة الحديبية التي هي صلاة الخوف بعسفان.
ولا مانع من تعدد ذلك. ويحتمل أنه من الاشتباه على بعض الرواة، والله أعلم.
وكان العدوّ في غير جهة القبلة، ففرقهم فرقتين: فرقة وقفت في وجه العدوّ، وفرقة صلى بها ركعة، ثم عند قيامة للثانية فارقته وأتمت بقية صلاتها، ثم جاءت ووقفت في وجه العدوّ، وجاءت تلك الفرقة التي كانت في وجه العدوّ واقتدت به في ثانيته فصلى بها ركعة، ثم قامت وهو في جلوس التشهد، وأتمت بقية صلاتها ولحقته في جلوس التشهد وسلم بها. وهذه الكيفية في ذات الرقاع رواها الشيخان، ونزل بها القرآن، وهو قوله تعالى وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ [النساء: الآية ١٠٢] الآية.
أي وفي كلام بعضهم: فصلى بهم النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، صلى بطائفة ركعتين، وبالأخرى أخريين. وسيأتي أن هذه صلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل وفي الخصائص الصغرى: وخص صلى الله عليه وسلم بصلاة الخوف فلم تشرع لأحد من الأمم قبلنا، وبصلاة شدة الخوف عند التحام القتال.
أي وفي هذه الغزوة نزل صلى الله عليه وسلم ليلا، وكانت تلك الليلة ذات ريح. وكان نزوله صلى الله عليه وسلم في شعب استقبله فقال: من رجل يكلؤنا: أي يحفظنا هذه الليلة، فقام عباد بن بشر رضي الله تعالى عنه وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما، فقالا: نحن يا رسول الله نكلؤكم، فجلسا على فم الشعب، فقال عباد بن بشر لعمار بن ياسر: أنا أكفيك أول الليل وتكفيني آخره، فنام عمار رضي الله عنه وقام عباد رضي الله عنه يصلي، وكان زوج بعض النسوة التي أصابهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غائبا، فلما جاء أخبر الخبر فتتبع الجيش، وحلف لا ينثني حتى يصيب محمدا أو يهريق في أصحاب محمد دما، فلما رأى سواد عباد قال: هذا ربيئة القوم، ففوّق سهما فوضعه فيه، فانتزعه عباد فرماه بآخر فوضعه فيه فانتزعه، فرماه بآخر فانتزعه، فلما غلبه الدم قال لعمار اجلس فقد أتيت، فلما رأى ذلك الرجل عمار أجلس علم أنه قد نذر به، فهرب، فقال عمار: أي أخي ما منعك أن توقظني له في أول سهم رمي به، فقال: