رسول الله أصحابه فحملوا حملة رجل واحد، فما أفلت منهم إنسان، وقتل منهم عشرة، وأسر سائرهم: الرجال والنساء والذرية؛ واستاق إبلهم وشياههم، فكانت الإبل ألفي بعير، والشأء خمسة آلاف شاة، واستعمل صلى الله عليه وسلم على ذلك مولاه شقران، أي بضم الشين المعجمة، واسمه صالح، وكان رضي الله عنه حبشيا، وكان السبي مائتي أهل بيت. وفي كلام بعضهم كانوا أكثر من سبعمائة، وكانت برة بنت الحارث الذي هو سيد بني المصطلق في السبي.
وقيل أغار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم غافلون، فقتل مقاتلتهم، وسبى سبيهم، أي وهذا القول هو الذي في صحيح البخاري: أي ومسلم، والأول هو الذي في السيرة الهشامية.
وجمع بأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لما أغار عليهم ثبتوا وصفوا للقتال، ثم انهزموا، ووقعت الغلبة عليهم، أي وقتل منهم من قاتل ولم يستأسر. وكان شعار المسلمين: أي علامتهم التي يعرفون بها في ظلمة الليل أو عند الاختلاط «يا منصور؟؟؟» تفاؤلا بأن يحصل لهم النصر بعد موت عدوهم.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فكتفوا، واستعمل عليهم بريدة رضي الله عنه.
ثم فرق صلى الله عليه وسلم السبي، فصار في أيدي الناس.
أي وفي هذا دليل لقول إمامنا الشافعي رضي الله عنه في الجديد: يجوز استرقاق العرب، لأن بني المصطلق عرب من خزاعة خلافا لقوله في القديم إنهم لا يسترقون لشرفهم. وقد قال في الأمّ: لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون هكذا: أي لا يجري الرق على عربي.
وبعث صلى الله عليه وسلم أبا ثعلبة الطائي إلى المدينة بشيرا من المريسيع، أي وجمع صلى الله عليه وسلم المتاع الذي وجده في رحالهم والسلاح والنعم والشاء، وعدلت الجزور بعشرة من الغنم، ووقعت برة بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس، وابن عم له، فجعل ثابت لابن عمه نخلات له بالمدينة في حصته من برة، وكاتبها أي على تسع أواق من ذهب، فدخلت عليه صلى الله عليه وسلم، فقالت له: يا رسول الله إني امرأة مسلمة: أي أسلمت لأني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وإني برة بنت الحارث سيد قومه، أصابنا من الأمر ما قد علمت، ووقعت في سهم ثابت بن قيس وابن عم له، وخلصني ثابت من ابن عمه بنخلات في المدينة، وكاتبني على ما لا طاقة لي به، وإني رجوتك فأعني في مكاتبتي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو خير من ذلك؟ قالت:
ما هو؟ قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت بن قيس فطلبها منه، فقال ثابت رضي الله عنه: هي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان كاتبها عليه وأعتقها