وتزوجها، أي وهي ابنة عشرين سنة، وسماها جويرية: أي وكان اسمها برة، وكذلك ميمونة، وزينب بنت جحش كان اسم كل منهما برة فغيره صلى الله عليه وسلم، وكذا كان اسم بنت أم سلمة برة فسماها زينب. ويذكر أن عليا كرم الله وجهه هو الذي أسرها.
أقول: ولا مانع أن يكون عليّ كرّم الله وجهه أسرها ثم وقعت في سهم ثابت وابن عمه رضي الله عنهما عند القسمة، لأنه لم يثبت في هذه الغزوة أنه صلى الله عليه وسلم جعل الأسرى لمن أسرهم كما وقع في بدر، إلا ما يأتي من قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ورغبنا في الفداء وقد يقال: رغبوا في الفداء بعد القسمة والله أعلم.
قال: وعن عائشة رضي الله عنها قالت «كانت جويرية امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم عندي ونحن على الماء: أي الذي هو المريسيع، إذ دخلت جويرية تسأله في كتابتها، فو الله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله إني امرأة مسلمة الحديث» اهـ وإنما كرهت ذلك لما جبلت عليه النساء من الغيرة.
ومن ثم جاء «أنه صلى الله عليه وسلم خطب امرأة فأرسل عائشة رضي الله تعالى عنها لتنظر إليها، فلما رجعت إليه قالت: ما رأيت طائلا، فقال: بلى لقد رأيت خالا في خدّها فاقشعرت منه كل شعرة في جسدك، أي وفي لفظ آخر عن عائشة رضي الله عنها «فما هو إلا أن وقفت جويرية بباب الخباء لتستعين رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتابتها فنظرت إليها فرأيت على وجهها ملاحة وحسنا، فأيقنت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآها أعجبته علما منها بموقع الجمال منه صلى الله عليه وسلم، فما هو إلا أن كلمته صلى الله عليه وسلم، فقال لها صلى الله عليه وسلم: خير من ذلك، أنا أؤدي كتابتك وأتزوجك، فقضى عنها كتابتها وتزوجها» والملاح أبلغ من المليح، والمليح، مستعار من قولهم طعام مليح: إذا كان فيه الملح بمقدار ما يصلحه.
قال الأصمعي رحمه الله: الحسن في العينين، والجمال في الأنف، والملاحة في الفم. وهذا السياق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهم على الماء الذي هو المريسيع، ويؤيده ما يأتي عنها رضي الله تعالى عنها.
قال الشمس الشامي رحمه الله: ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لجويرية حتى عرف من حسنها ما دعاه لتزوجها، لأنها كانت أمة مملوكة: أي لأنها مكاتبة، ولو كانت غير مملوكة: أي حرة ما ملأ صلى الله عليه وسلم عينه منها، أو أنه صلى الله عليه وسلم نوى نكاحها، أو أن ذلك كان قبل آية الحجاب.
أقول: تبع في هذا السهيلي رحمه الله. وقد قدمنا أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز نظر الأجنبية والخلوة بها لأمنه صلى الله عليه وسلم من الفتنة، فلا يحسن قوله ولو كانت حرة ما ملأ صلى الله عليه وسلم عينه منها.