الله عز وجل أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه» وبهذا مع ما تقدم من نفي الحرج استدل أئمتنا رحمهم الله على جواز العزل مع الكراهة في كل امرأة سرية أو حرة في كل حال، سواء رضيت أم لا؛ وقال جمع بحرمته، قالوا لأنه طريق إلى قطع النسل، وفي مسلم ما يوافق ما قالته يهود. ففي مسلم «سألوه صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك الوأد الخفي» أي بمثابة دفن البنت حية الذي كان يفعله الجاهلية خوف الإملاق أو خوف حصول العار.
إلا أن يقال: هذا كان منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه بحل ذلك ثم نسخ فلا مخالفة. ويدل لذلك ما في مسلم أيضا عن جابر رضي الله عنه:«كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل فلم ينهنا» . وفي رواية «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية هي خادمنا وساقيتنا في النخل، وأنا أكره أن تحمل، فقال صلى الله عليه وسلم: أعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها، فلبث الرجل ثم أتاه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الجارية قد حبلت، فقال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها» فقد أرشده صلى الله عليه وسلم إلى العزل الذي لا يكون معه الولد غالبا، وأخبر بأن ذلك لا يمنع وجود ما قدر لها من حصول الولد.
وعن عبد الله بن زياد رضي الله عنه. قال «أفاء» أي غنم «رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة بني المصطلق جويرية بنت الحارث، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأقبل أبوها في فدائها، فلما كان بالعقيق نظر إلى إبله التي يفدي بها ابنته فرغب في بعيرين منها كانا من أفضلها، فعقبهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أصبتم ابنتي. وفي رواية قال: يا رسول الله كريمة لا تسبى وهذا فداؤها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين البعيران اللذان عقبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا؟ فقال الحارث: أشهد أنك رسول الله، ما اطلع على ذلك إلا الله وأسلم» ولعله دخل بالأمان إلى المدينة. وفي رواية: أنه أسلم قبل ذلك وأسلم معه ابنان وناس من قومه وعليه فيكون قوله فأسلم: أي أظهر إسلامه، وعند ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بأن يخيرها، فقالت: أحسنت وأجملت، فقال لها أبوها: يا بنية لا تفضحي قومك، قالت اخترت الله ورسوله. وفيه كيف يأمره صلى الله عليه وسلم بتخييرها بعد أن تزوجها، كما تقدم أن مقتضى السياق أنه تزوجها وهم على الماء.
ثم رأيت الإمام أبا العباس بن تيمية أنكر مجيء أبيها وتخييرها فليتأمل.
وفي الاستيعاب: أن عبد الله بن الحارث أخا جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بني المصطلق وغيب في الطريق ذودا وجارية سوداء، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء الأسارى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم فما جئت به؟ قال: ما جئت بشيء قال: فأين الذود والجارية السوداء الذي غيبت في