موضع كذا؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله ما كان معي أحد ولا سبقني إليك أحد فأسلم. وفيه ما تقدّم في أبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك الهجرة حتى تبلغ برك الغماد، هذا كلامه. والذود: من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر.
والمتبادر من هذا السياق أنه جاء بذلك الذود وتلك الجارية للفداء، فعنّ له أن يسأل في الفداء من غير شيء، فغيب ذلك الذود وتلك الجارية طمعا في أنه صلى الله عليه وسلم يجيبه لذلك لمكان أخته عنده. ويحتمل أن العبارة فيها اختصار، وحينئذ يكون الأصل في قوله صلى الله عليه وسلم فما جئت به المال الزائد على هذا الذي جئت به، فيكون الذود والجارية بعض ما جاء به للفداء؛ فقال: ما جئت بشيء: أي زائد على هذا الذي جئت به لأنه يبعد أن يطلب الفداء من غير شيء فليتأمل.
وفي لفظ أنه لما جاء أبوها في فدائها دفعت إليه ابنته جويرية وأسلمت وحسن إسلامها فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبيها، فزوّجه إياها وأصدقها أربعمائة درهم.
وفي الإمتاع يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق. ويقال جعل صداقها عتق أربعين من قومها، ولا يخفى أن مجيء أبيها في فدائها وتزويجها للنبي صلى الله عليه وسلم مخالف لسياق ما تقدم أنه تزوجها وهم على الماء، ويحتاج للجمع بين ما ذكر وبين ما روي أنه لما رأى المسلمون أنه صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية قال في حق بني المصطلق: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقوا ما بأيديهم منهم.
وعبارة الإمتاع: ولما تزوّجها صلى الله عليه وسلم، خرج الخبر إلى الناس وقد اقتسموا رجال بني المصطلق وملكوهم ووطئوا نساءهم، فقالوا أصهار النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السبي.
وعن جويرية رضي الله تعالى عنها قالت: لما أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوّجني، والله ما كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم، وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر، فحمدت الله سبحانه وتعالى.
أقول: وذكر بعضهم أن ليلة دخوله صلى الله عليه وسلم بها طلبتهم منه فوهبهم لها ويحتاج للجمع، ويقال في الجمع بين ما تقدم من فدائهم وإطلاقهم من غير فداء بأنه يجوز أن يكون الفداء وقع لبعضهم قبل عتق جويرية والتزوّج بها، فلما تزوّجها صلى الله عليه وسلم أطلق بعضهم الآخر الباقي، فالفداء وقع لبعضهم والإعتاق وقع لبعضهم الآخر، فإن السبي كان لأهل مائتي بيت. ويؤيد ذلك قول بعضهم: كان السبي منهم من منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء ومنهم من افتدى. ويؤيد ذلك ما يأتي في كلام عائشة رضي الله تعالى عنها أن الإعتاق كان لأهل مائة بيت، أي فيكون الفداء لأهل مائة بيت والإطلاق في الفداء لأهل المائة الأخرى، ويكون مراد جويرية رضي الله عنها