للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو الصحيح، والوهم لم يسلم منه أحد من بني آدم.

وفيه أن مما يدل على تقدمها، وأن ذكر سعد بن معاذ ليس من الوهم في شيء ما ذكره في الكتاب المذكور الذي هو في الإمتاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث أياما. ثم أخذ بيد سعد بن معاذ في نفر حتى دخل على سعد بن عبادة فتحدثوا ساعة وقرّب لهم سعد بن عبادة طعاما فأصابوا منه ثم انصرفوا، فمكث أياما ثم أخذ بيد سعد بن عبادة في نفر فانطلقوا حتى دخلوا منزل سعد بن معاذ فتحدثوا ساعة وقرّب لهم سعد بن معاذ طعاما فأصابوا منه، ثم خرجوا، فذهب من أنفسهم ما كان، وأن ذكر سعد بن معاذ وقع في الصحيحين وغيرهما والله أعلم.

وذكر أن صفوان بن المعطل رضي الله عنه الذي كان الإفك بسببه ظهر أنه كان حصورا لا يأتي النساء، أي إنما معه مثل الهدبة: أي عنين.

وقد قال الشيخ محيي الدين: الحصور عندنا العنين، أي ويدل له ما في البخاري «أنه رضي الله عنه ما كشف كنيف امرأة قط» أي سترها، لأن الكنيف الساتر.

وقد جاء في تفسير وصف يحيى بن زكريا بحصورا أنه صلى الله عليه وسلم أهوى إلى الأرض وأخذ قذاة. وقال: كان ذكره- يعني يحيى عليه السلام مثل هذه القذاة، ولعل المراد التشبيه في الارتخاء وعدم الشدة، فلا يخالف ما قبله، لكن في النهر:

الحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك، أي وربما يؤيد ذلك ما جاء «أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة. رجل جعله الله ذكرا فأنث نفسه وتشبه بالنساء. وامرأة جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال. والذي يضل الأعمى.

ورجل حصور، ولم يجعل الله حصورا إلا يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام» فالحصور وصف مذموم إلا في يحيى عليه السلام خصوصية له دون غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإلا فقد امتنّ سبحانه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بقوله وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً [الرّعد: الآية ٣٨] ، قيل وهذا الوصف جاء ليحيى من أثر همة والده زكريا عليهما السلام، فإنه لما شهد مريم منقطعة عن الأزواج أحب أن يرزقه الله ولدا: مثلها أي منقطعا عن الزوجات، فجاء يحيى عليه السلام حصورا، ويؤيد ذلك ما في «أنس الجليل» وكان يحيى عليه السلام لا يأتي النساء لأنه لم يكن له ما للرجال، كذا قيل، وهو غير مرضيّ.

وقد تكلم القاضي عياض رحمه الله في الشفاء على معنى كون يحيى حصورا بما حاصله، أن هذا الذي قيل نقيصة وعيب لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب لا يأتيها، فكأنه حصر عنها، وأنه حصر نفسه عن الشهوات قمعا لها، هذا كلامه فليتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>