للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي وعلى الأول لا ينافي ذلك كون صفوان كان متزوّجا، لما تقدم أن زوجته شكته للنبي صلى الله عليه وسلم: أي على أن ابن الجوزيّ نقل عن شيخه ابن ناصر الدين رحمه الله تعالى أن صفوان رضي الله عنه إنما تزوّج بعد حديث الإفك.

ومما يدل على أن حسان رضي الله عنه لم يكن من أصحاب الإفك تبرؤه مما نسب إليه في أبيات مدح بها عائشة رضي الله عنها منها:

مهذبة قد طيب الله خيمها ... وطهرها من كل سوء وباطل

فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم ... فلا رفعت سوطي إليّ أناملي

وكيف وودي ما حييت ونصرتي ... لآل رسول الله زين المحافل

ومن ثم قال ابن عبد البر: وقد أنكر قوم كون حسان رضي الله عنه خاض في الإفك، وأنه جلد.

وجاء أن عائشة رضي الله عنها برأته من ذلك. أي فقد ذكر الزبير بن بكار، أنه قيل لعائشة رضي الله عنها وقد قالت في حق حسان رضي الله عنه: إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بذبه بلسانه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس هو ممن لعنه الله في الدنيا والآخرة بما قال فيك؟ قالت: لم يقل شيئا ولكنه القائل:

فإن كان ما قد قيل عني قلته ... فلا رفعت سوطي إليّ أناملي

وقد قال مثل هذا البيت أنس بن زنيم، وقد بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه لما بلغه صلى الله عليه وسلم أنه هجاه، فجاء إليه صلى الله عليه وسلم معتذرا وأنشده أبياتا منها:

ونبي رسول الله إني هجوته ... فلا رفعت سوطي إليّ إذن يدي

لكن في رواية أنها كانت تأذن لحسان بن ثابت وتلقي له الوسادة وتقول: لا تقولوا لحسان إلا خيرا، فإنه كان يردّ عن النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه. وقد قال تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ [النّور: الآية ١١] وقد عمي، والعمى عذاب عظيم، والله قادر على أن يحيل ذلك ويغفر لحسان ويدخله الجنة.

وفيه أنه سيأتي عن عائشة وغيرها أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ ابن سلول كما تقدم إلا أن يقال كبره مقول بالتشكيك، والذي بلغ فيه الغاية عبد الله بن أبي ابن سلول فليتأمل.

وعن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا على سريره، فلما بلغ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ [النور: الآية ١١] جلس ثم قال: يا أبا بكر من تولى كبره، أليس علي بن أبي طالب؟ قال الزهري: فقلت في نفسي: ماذا أقول؟ إن قلت لا، لا آمن أن ألقى منه شرا، وإن قلت نعم جئت بأمر عظيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>