وكذلك وُجِد مِنَ العلماء مَن ضيَّق دائرة البحث فى التفسير، فتكلَّم عن ناحية واحدة من نَواحيه المتشعبة المتعددة، فابن القيم - مثلاً - أفرد كتاباً من مؤلفاته للكلام عن أقسام القرآن سماه "التبيان فى أقسام القرآن". وأبو عبيدة أفرد كتاباً للكلام عن مجاز القرآن والراغب الأصفهانى أفرد كتاباً فى مفردات القرآن. وأبو جعفر النحاس أفرد كتاباً فى الناسخ والمنسوخ من القرآن. وأبو الحسن الواحدى أفرد كتاباً فى أسباب نزول القرآن. والجصاص أفرد كتاباً فى أحكام القرآن.. وغير هؤلاء كثير من العلماء الذين قصدوا إلى موضوع خاص فى القرآن يجمعون ما تفرَّق منه، ويفردونه بالدرس والبحث.
* *
* توسع متقدمى المفسَرين قعد بمتأخريهم عن البحث المستقل:
ثم إنَّا نجد متقدمى المفسِّرين قد توسَّعوا فى التفسير إلى حد كبير، جعل مَن جاء بعدهم من المفسِّرين لا يلقون عنتاً، ولا يجدون مشقة فى محاولتهم لفهم كتاب الله، وتدوين ما دوَّنوا من كتب فى التفسير، فمنهم مَن أخذ كلام غيره وزاد عليه، ومنهم مَن اختصر، ومنهم مَن علَّق الحواشى وتتبع كلام من سبقه، تارة بالكشف عن المراد، وأخرى بالتفنيد والاعتراض، ومع ذلك فاتجاهات التفسير، وتعدد طرائقه وألوانه. مل تزل على ما كانت عليه، متشعبة متكاثرة.
أما فى عصرنا الحاضر، فقد غلب اللون الأدبى الاجتماعى على التفسير، ووُجِدت بعض محاولات علمية، فى كثير منها تكلف ظاهر وغلو كبير، أما اللون المذهبى، فقد بقى منه إلى يومنا هذا بمقدار ما بقى من المذاهب الإسلامية، وسوف نعرض للتفسير فى عصرنا الحاضر بما فيه الكفاية إن شاء الله تعالى.
هذا هو شأن التفسير فى مرحلته الثالثة - مرحلة التدوين - وهذه هى خطواته التى تدرج فيها من لدن نشأته إلى عصرنا الحاضر، وتلك هى ألوانه وطرائقه، وأرى من العسير علىّ أن أتمشى بالتفسير مع الزمن، وأن أتكلم عن طرائقه، ومميزاته، واتجاهاته، وألوانه فى كل عصر من العصور التى مرَّت عليه، وذلك راجع إلى أننا لم نقف على كثير مما خلفته تلك العصور من آثار فيه وهى كثرة كاثرة تنوَّعت مقاصدها واختلفت اتجاهاتها. وإننا لندهش عند سماع ما أُلِّف فى التفسير من الكتب التى بلغت حد الكثرة. ونُسِبت لرجال لهم قيمتهم العلمية، ففى القرن الثانى كتب عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة تفسيراً للقرآن عن الحسن البصرى، كما ذكره ابن خلكان فى كتابه "وفيات الأعيان"، ويذكر صاحب كتاب "تبيين كذب المفترى": أن أبا الحسن