الأشعرى كتب كتاباً فى التفسير يسمى "المختزن"، لم يترك آية تعلَّق بها بَدْعى إلا أبطل تعلقه بها، وجعلها حُجَّة لأهل الحق، كما يُنسب إلى الجوينى تفسير كبير يشتمل على عشرة أنواع فى كل آية، ويُنسب للقشيرى أيضاً تفسير كبير. وابن الأنبارى يذكرون أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً من تفاسير القرآن بأسانيدها وأبو هلال العسكرى، له كتاب "المحاسن فى تفسير القرآن"، خمس مجلدات، وغير هذا كثير جداً من الكتب التى أُلِّفت فى تفسير القرآن.
وبعد ... فهل يكون فى مقدورى - وقد اندرست معظم كتب التفسير - أن أتكلم عن التفسير وما أُلِّف فيه فى جميع مراحله الزمنية؟ اللهم إن هذا أمر لا أقدر عليه إلا إذا جُمِع بين يدىّ كل ما كُتِب فى التفسير من مبدأ نشأته إلى يومنا هذا، وكان لدىّ من الوقت ما يتسع لدراسته كله، وأنَّى لى بذلك؟
على أننا لو نظرنا إلى مناحى المفسِّرين واتجاهاتهم، لوجدناهم مع اختلاف عصورهم يشتركون فيها، فبينما نجد مِنَ المتقدمين مَنْ دوَّن التفسير بالمأثور خاصة، نجد من المتأخرين مَنْ قَصرَ تفسيره على المأثور أيضاً. وبينما نجد مِنَ المتقدمين مَنْ نحا فى تفسيره الناحية الإشارية نجد مِنَ المتأخرين مَنْ ينحو هذا المنحى بعينه، وبينما نجد مِنَ المتقدمين مَنْ حاول إخضاع القرآن لمذهبه وعقيدته نجد مِنَ المتأخرين مَنْ حاول مثل هذه المحاولة وهكذا نجد كثيراً من كتب التفسير على اختلاف أزمانها تتحد فى مشربها، وتتجه إلى ناحية واحدة من نواحى التفسير المختلفة.
لهذا كله، أرى نفسى مضطراً إلى أن أعدل فى هذه المرحلة الثالثة - مرحلة عصور التدوين - عن السير بالتفسير مع الزمن إلى التكلم عنه من ناحية هذه الاتجاهات التى اتجه إليها المفسِّرون فى تفاسيرهم وأتبع ذلك بالكلام عن أشهر الكتب المؤلَّفة فى التفسير، فأتكلم أولاً عن التفسير المأثور وأشهر ما دُوِّنَ فيه، ثم عن التفسير بالرأى الجائز وغير الجائز، وعن أشهر الكتب المؤلَّفة فى ذلك. ويندرج فى هذا الكلام على تفاسير الفِرَق المختلفة، ثم أتكلم بعد ذلك عن التفسير عند الصوفية وأهم كتبهم فيه، ثم عند الفلاسفة، ثم عند الفقهاء كذلك، ثم أتكلم عن التفسير العلمى، ثم أختم بكلمة عامة عن التفسير فى عصرنا الحاضر، وأسأل الله العون والتوفيق.