للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأناجيل المعتبرة عند النصارى يُطلق عليها وعلى ما انضم إليها من رسائل الرسل، اسم: العهد الجديد. والكتاب المقدّس لدى النصارى يشمل: التوراة والإنجيل ويُطلق عليه: العهد القديم والعهد الجديد.

وكان طبيعياً أن يُشرح الإنجيل بشروح مختلفة، كانت فيما بعد منبعاً من منابع الثقافة النصرانية، كما وُجِدَ بجوار ذلك ما زاده النصارى من القصص، والأخبار، والتعاليم، التى زعموا أنهم تلقوها عن عيسى عليه السلام، وهذا كله كان من ينابيع هذه الثقافة النصرانية.

إذن ... فقد كانت التوراة المصدر الأول لثقافة اليهودية الدينية، كما كان الإنجيل المصدر الأهم لثقافة النصارى الدينية.

وإذا نحن أجلنا النظر فى التوراة والإنجيل نجد أنهما قد اشتملا على كثير مما اشتمل عليه القرآن الكريم، وبخاصة ما كان له تعلق بقصص الأنبياء عليهم السلام، وذلك على اختلاف فى الإجمال والتفصيل، فالقرآن إذا عرض لقصة من قصص الأنبياء - مثلاً - فإنه ينحو فيها ناحية يخالف بها منحى التوراة والإنجيل، فتراه يقتصر على مواضع العظة، ولا يتعرض لتفصيل جزئيات المسائل، فلا يذكر تاريخ الوقائع، ولا أسماء البلدان التى حصلت فيها، كما أنه لا يذكر فى الغالب أسماء الأشخاص الذين جرت على أيديهم بعض الحوادث. ويدخل فى تفاصيل الجزئيات، بل يتخيَّر من ذلك ما يمس جوهر الموضوع، وما يتعلق بموضع العبرة.

وإذا نحن تتبعنا هذه الموضوعات التى اتفق فى ذكرها القرآن والتوراة، أو القرآن والإنجيل، ثم أخذنا موضوعاً منها، وقارنا بين ما جاء فى الكتابين وجدنا اختلاف المسلك ظاهراً جلياً.

فمثلاً قصة آدم عليه السلام، ورد ذكرها فى التوراة، كما وردت فى القرآن فى مواضع كثيرة، أطولها ما ورد فى سورة البقرة، وما ورد فى سورة الأعراف. وبالنظر فى هذه الآيات من السورتين، نجد أن القرآن لم يتعرض لمكان الجنة، ولا لنوع الشجرة التى نُهِىَ آدم وزوجه عن الأكل منها، ولا بيَّن الحيوان الذى تقمصه الشيطان فدخل الجنة ليزل آدم وزوجه. كما لم يتعرَّض للبقعة التى هبط إليها آدم وزوجه وأقام بها بعد خروجهما من الجنة ... إلى آخر ما يتعلق بهذه القصة من تفصيل وتوضيح.

ولكن نظرة واحدة يجيلها الإنسان فى التوراة يجد بعدها أنها قد تعرَّضت لكل ذلك وأكثر منه. فأبانت أن الجنة فى عدن شرقاً، وأن الشجرة التى نُهيا عنها كانت فى وسط الجنة، وأنها شجرة الحياة، وأنها شجرة معرفة الخير والشر، وأن الذى خاطب حواء هو الحيَّة، وذكرت ما انتقم الله به من الحيَّة التى تقمصها إبليس، بأن جعلها تسعى

<<  <  ج: ص:  >  >>