للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهمم عن تحصيله، ورغبتهم فى الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله، فلخَّصتُ منه هذا المختصر، مقتصراً فيه على متن الأثر، مصدراً بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر، وسميته بالدُرِّ المنثور، فى التفسير المأثور".

ومن هاتين العبارتين يتبين لنا أن السيوطى اختصر كتابه الدُرّ المنثور من كتابه ترجمان القرآن، وحذف الأسانيد مخافة الملل، مع عزوه كل رواية إلى الكتاب الذى أخذها منه.

ويقول السيوطى فى آخر الإتقان (٣/ ١٩٠) : "وقد شرعتُ فى تفسير جامع لجميع ما يُحتاج إليه من التفاسير المنقولة، والأقوال المعقولة، والاستنباطات والإشارات، والأعاريب واللغات، ونكت البلاغة ومحاسن البدائع وغير ذلك، بحيث لا يُحتاج معه إلى غيره أصلاً، وسميته بمجمع البحرين ومطلع البدرين، وهو الذى جعلت هذا الكتاب - يعنى الإتقان مقدمة له".

ومن هذه العبارة يتبين لنا أن كتاب: "مجمع البحرين، ومطلع البدرين" يشبه فى منهجه وطريقته - إلى حد كبير - تفسير ابن جرير الطبرى، ولكن لا ندرى إذا كان السيوطى قد أتم هذا التفسير أم لا، ويظهر لنا أنه لا صلة بينه وبين كتاب الدُرّ المنثور، وذلك لأنى استعرضتُ كتاب الدُرّ المنثور فوجدته لا يتعرض فيه مطلقاً لما ذكره من منهجه فى مجمع البحرين ومطلع البدرين، فلا استنباط، ولا إعراب، ولا نكات بلاغية، ولا مُحَسِّنات بديعية، ولا شئ مما ذكر أنه سيعرض له فى مجمع البحرين ومطلع البدرين، وكل ما فيه هو سرد الروايات عن السَلَف فى التفسير بدون أن يُعقِّب عليها، فلا يُعَدِّل ولا يُجَرِّح، ولا يُضَعِّف ولا يُصَحِّح، فهو كتاب جامع فقط لما يُروى عن السَلَف فى التفسير، أخذه السيوطى من البخارى، ومسلم، والنسائى، والترمذى، وأحمد، وأبى داود، وابن جرير، وابن أبى حاتم، وعبد ابن حميد، وابن أبى الدنيا، وغيرهم ممن تَقدَّمه ودَوَّن التفسير.

والسيوطى رجل مُغرم بالجمع وكثرة الرواية، وهو مع جلالة قدره، ومعرفته بالحديث وعلله، لم يتحر الصحة فيما جمع فى هذا التفسير، وإنما خلط فيه بين الصحيح والعليل، فالكتاب يحتاج إلى تصفية حتى يتميز لنا عثه من سمينه، وهو مطبوع فى ست مجلدات، ومتداوَل بين أهل العلم.

ولا يفوتنا هنا أن ننبه إلى أن كتاب الدُرّ المنثور، هو الكتاب الوحيد الذى اقتصر على التفسير المأثور من بين هذه الكتب التى تكلمنا عنها، فلم يخلط بالروايات التى نقلها شيئاً من عمل الرأى كما فعل غيره.

وإنما اعتبرنا كل هذه الكتب من كتب التفسير بالمأثور، نظراً لما امتازت به عمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>