مؤلف هذا التفسير هو الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد، السيوطى الشافعى، المسند المحقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة، وِلُد فى رجب سنة ٨٤٩ هـ (تسع وأربعين وثمانمائة) ، وتوفى والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر، وأسند وصايته إلى جماعة، منهم الكمال بن الهمام، فقرره فى وظيفة الشيخونية ولحظه بنظره، وختم القرآن وله من العمر ثمان سنين، وحفظ كثيراً من المتون، وأخذ عن شيوخ كثيرين، عدّهم تلميذه الداودى فبلغ بهم واحداً وخمسين، كما عَدَّ مؤلفاته فبلغ بها ما يزيد على الخمسمائة مُؤلَّف، وشهرة مؤلفاته تُغنى عن ذكرها، فقد اشتهرت شرقاً وغرباً، ورُزِقت قبول الناس. وكان السيوطى - رحمه الله - آية فى سرعة التأليف حتى قال تلميذه الداودى: عاينتُ الشيخ وقد كتب فى يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفاً وتحريراً.
وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه، رجالاً، وغريباً، ومتناً، وسنداً، واستنباطاً للأحكام. ولقد أخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتى ألف حديث، قال: لو وجدتُ أكثر لحفظت. ولما بلغ الأربعين سنة تجرَّد للعبادة، وانقطع إلى الله تعالى، وأعرض عن الدنيا وأهلها، وترك الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك فى مُؤلَّف سمَّاه بـ " التنفيس"، وأقام فى روضة المقياس ولم يتحوَّل عنها إلى أن مات. وله مناقب وكرامات كثيرة. وله شعر كثير جيد، أغلبه فى الفوائد العلمية، والأحكام الشرعية. وتوفى فى سَحَر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة ٩١١ هـ (إحدى عشرة وتسعمائة) فى منزله بروضة المقياس، فرضى الله عنه وأرضاه.
* *
التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
عرَّف الجلال السيوطى نفسه هذا التفسير، وبيَّن لنا الحامل له على تأليفه، وذلك بمجموع ما ذكره فى آخر كتاب الإتقان له، وما ذكره فى مقدمة الدُرّ المنثور نفسه، فقال فى آخر الإتقان (٢/ ١٨٣) : "وقد جمعت كتاباً مسنداً فيه تفاسير النبى صلى الله عليه وسلم، فيه بضعة عشر ألف حديث ما بين مرفوع وموقوف، وقد تم ولله الحمد فى أربع مجلدات، وسميته "ترجمان القرآن".
وقال فى مقدمة الدُرِّ المنثور (١/٢) : "وبعد.. فلما ألفَّتُ كتاب ترجمان القرآن - وهو التفسير المُسْنَد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وتم بحمد الله فى مجلدات، فكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرَّجة منها واردات، رأيتُ قصور أكثر