ودليل الكبرى: قوله تعالى: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وهو معطوف على ما قبله من المحرَّمات فى قوله تعالى فى الآية [٣٣] من سورة الأعراف: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} .. الآية، وقوله تعالى فى الآية [٣٦] من سورة الإسراء: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ..
قد رَدَّ المجيزون هذا الدليل فقالوا: نمنع الصغرى. لأن الظن نوع من العلم، إذ هو إدراك الطرف الراجح. وعلى فرض تسليم الصغرى فإنَّا نمنع الكبرى، لأن الظن منهى عنه إذا أمكن الوصول إلى العلم اليقينى القطعى، بأن يوجد نص قاطع من نصوص الشرع، أو دليل عقلى موصل لذلك. أما إذا لم يوجد شئ من ذلك، فالظن كاف هنا، لاستناده إلى دليل قطعى من الله سبحانه وتعالى على صحة العمل به إذ ذاك. كقوله تعالى:{لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦] .. وقوله عليه الصلاة والسلام:"جعل الله للمصيب أجرين وللمخطئ واحداً"، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن:"فبِمَ تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسُّنَّة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيى، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صدره وقال: الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يُرضى رسول الله".
ثانياً - استدلوا بقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ، فقد أضاف البيان إليه، فعُلِمَ أنه ليس لغيره شئ من البيان لمعانى القرآن.
وأجاب المجيزون عن هذا الدليل فقالوا: نعم إنَّ النبى صلى الله عليه وسلم مأمور بالبيان ولكنه مات ولم يبيِّن كل شئ فما ورد بيانه عنه - صلى الله عليه وسلم - ففيه الكفاية عن فكره من بعده، وما لم يرد عنه ففيه حينئذ فكرة أهل العلم بعده، فيستدلون بما ورد بيانه على ما لم يرد، والله تعالى يقول فى آخر الآية:{وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .
ثالثاً - استدَّلوا بما ورد فى السُّنَّة من تحريم القول فى القرآن بالرأى فمن ذلك:
١ - ما رواه الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اتقوا الحديث عنى إلا ما علمتم، فمَن كذب علىّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، ومَن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار".. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
٢ - ما رواه الترمذى وأبو داود عن جُندب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ".