منها: أن النهى محمول على مَنْ قال برأيه فى نحو مشكل القرآن، ومشتابهه، من كل ما لم يُعلم إلا عن طريق النقل عن النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة عليهم رضوان الله.
ومنها: أنه أراد - بالرأى - الرأى الذى يغلب على صاحبه من غير دليل يقوم عليه، أما الذى يشده البرهان، ويشهد له الدليل، فالقول به جائز، فالنهى على هذا متناول لمن كان يعرف الحق ولكنه له فى الشئ رأى وميل إليه من طبعه وهواه، فيتأوَّل القرآن على وفق هواه، ليحتج به على تصحيح رأيه الذى يميل إليه، ولو لم يكن له ذلك الرأى والهوى لما لاح له هذا المعنى الذى حمل القرآن عليه. ومتناول لمن كان جاهلاً بالحق ولكنه يحمل الآية التى تحتمل أكثر من وجه على ما يوافق رأيه وهواه، ويُرَجِّح هذا الرأى بما يتناسب مع ميوله، ولولا هذا لما تَرَجَّحَ عنده ذلك الوجه. ومتناول أيضاً لمن كان له غرض صحيح ولكنه يستدل لغرضه هذا بدليل قرآنى يعلم أنه ليس مقصوداً به ما أراد، مثل الداعى إلى مجاهدة النفس الذى يستدل على ذلك بقوله تعالى:{اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} ، [طه: ٢٤] ويريد من فرعون النفس.. ولا شك أن مثل هذا قائل فى القرآن برأيه.
ومنها: أن النهى محمول على مَنْ يقول فى القرآن بظاهر العربية، ومن غير أن يرجع إلى أخبار الصحابة الذى شاهدوا تنزيله، وأدُّوا إلينا من السنُن ما يكون بياناً لكتاب الله تعالى، وبدون أن يرجع إلى السماع والنقل فيما يتعلق بغريب القرآن، وما فيه من المبهمات. والحذف، والاختصار، والإضمار، والتقديم، والتأخير، ومراعاة مقتضى الحال، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وما إلى ذلك من كل ما يجب معرفته لمن يتكلم فى التفسير، فإنَّ النظر إلى ظاهر العربية وحده لا يكفى، بل لا بد من ذلك أولاً، ثم بعد ذلك يكون التوسع فى الفهم والاستنباط.
فمثلاً قوله تعالى:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا}[الإسراء: ٥٩] معناه: وآتينا ثمود الناقة معجزة واضحة، وآية بيِّنة على صدق رسالته، فظلموا بعقرها أنفسهم، ولكن الواقف عن ظاهر العربية وحدها بدون أن يستظهر بشئ مما تقدَّم، يظن أن "مبصرة" من الإبصار بالعين، وهو حال من الناقة، وصف لها فى معنى، ولا يدرى بعد ذلك بِمَ ظلموا، ولا مَنْ ظلموا.
كل من هذه الأجوبة الثلاثة. يمكن أن يُجاب به على مَنْ يستند فى قوله بحُرْمة التفسير بالرأى على هذين الحديثين المتقدمين، وهى أجوبة سليمة دامغة، كافية لإسقاط حُجَّتهما والاعتماد عليهما.
هذا.. ويمكن الإجابة عن حديث جُندب - زيادة عما تقدَّم - بأنَّ هذا الحديث لم تثبت صحته، لأن مِن رواته سُهيل بن أبى حزم، وهو مُتكلَّم فيه، قال فيه أبو