للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير، وهذا هو مورد النهى ومحط الذم، وهو الذى يرمى إليه كلام ابن مسعود إذ يقول: "ستجدون أقواماً يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدع، وإياكم والتنطع"، وكلام عمر إذ يقول: "إنما أخاف عليكم رجلين: رجل يتأوَّل القرآن على غير تأويله، ورجل ينافس المُلْك على أخيه"، وكلامه إذ يقول: "ما أخاف على هذه الأُمَّة من مؤمن ينهاه إيمانه، ولا من فاسق بَيِّن فسقه، ولكنى أخاف عليها رجلاً قد قرأ القرآن حتى أذلقه بلسانه، ثم تأوَّله على غير تأويله".. فكل هذا ونحوه، وارد فى حق مَن لا يُراعى فى تفسير القرآن قوانين اللغة ولا أدلة الشريعة، جاعلاً هواه رائده، ومذهبه قائده، وهذا هو الذى يُحمل عليه كلام المانعين للتفسير بالرأى، وقد قال ابن تيمية - بعد أن ساق الآثار عَمَّن تحرَّج من السَلَف من القول فى التفسير -: فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السَلَف، محمولة على تحرجهم عن الكلام فى التفسير بما لا علم لهم به، فأما مَن تكلَّم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حَرَج عليه، ولهذا رُوِى عن هؤلاء وغيرهم أقوال فى التفسير، ولا منافاة، لأنهم تكلِّموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، هذا هو الواجب على كل أحد، فإنه كما يجب السكوت عما لا عمل له به، فكذلك يجب القول فيما سُئِل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: ١٨٧] .. ولما جاء فى الحديث المروى من طرق: "مَنْ سُئِلَ عن علم فكتمه أُلْجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من نار".

وإذ قد علمنا أن التفسير بالرأى قسمان: قسم مذموم غير جائز، وقسم ممدوح جائز، وتبين لنا أن القسم الجائز محدود بحدود، ومقيَّد بقيود، فلا بد لنا من أن نعرض هنا لما ذكروه من العلوم التى يحتاج إليها المفسِّر، وما ذكروه من الأدوات التى إذا توافرت لديه وتكاملت فيه، خرج عن كونه مفسِّراً للقرآن بمجرد الرأى، ومحض الهوى.

* *

* العلوم التى يحتاج إليها المفسِّر:

اشترط العلماء فى المفسِّر الذى يريد أن يُفسِّر القرآن برأيه بدون أن يلتزم الوقوف عند حدود المأثور منه فقط، أن يكون مُلِماً بجملة من العلوم التى يستطيع بواسطتها

<<  <  ج: ص:  >  >>