للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فاطر: ٣٢] .. قيل فيه: السابق هو الذى يُصلِّى فى أول الوقت، والمقتصد هو الذى يُصلَّى فى أثنائه، والظالم هو الذى يُصلِّى بعد فواته.

وقيل: السابق مَن يُؤدى الزكاة المفروضة مع الصدقة، والمقتصد مَن يُؤدى الزكاة المفروضة وحدها، والظالم لنفسه مَن يمنع الزكاة ولا يتصدق.

وغير خاف أنه لا تنافى بين هذين التفسيرين وأن تغايرا، لأن الظالم لنفسه يتناول المُضَيِّعُ للواجبات، والمنتهك للحرمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرَّمات، والسابق يتناول مَن يفعل الواجبات ويتقرَّب بعد ذلك بزيادة الحسنات، فكل ذكرَ فرداً لعام على سبيل التمثيل لا الحصر.

هذا.. وإن الصور العقلية التى يحصل فيها التعارض بين التفسير العقلى والتفسير النقلى هى ما يأتى:

أولاً: أن يكون العقلى قطعياً والنقلى قطعياً كذلك.

ثانياً: أن يكون أحدهما قطعياً والآخر ظنياً.

ثالثاً: أن يكون أحدهما ظنياً والآخر ظنياً كذلك.

أما الصورة الأولى، ففرضية، لأنه لا يعقل تعارض بين قطعى وقطعى، ومن المحال أن يتناقض الشرع مع العقل.

وأما الصورة الثانية: فالقطعى منهما مُقَدَّم على الظنى إذا تعذَّر الجمع ولم يمكن التوفيق، أخذاً بالأرجح وعملاً بالأقوى.

وأما الصورة الثالثة: فإن أمكن الجمع بين العقلى والنقلى، وجب حمل النظم الكريم عليهما. وإن تعذَّر الجمع، قُدِّمَ التفسير المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم إن ثبت من طريق صحيح، وكذا يُقَدَّم ما صحَّ عن الصحابة، لأن ما يصح نسبته إلى الصحابة فى التفسير، النفس إليه أميل، لاحتمال سماعه من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما امتازوا به من الفهم الصحيح والعمل الصالح، ولما اختُصوا به من مشاهدة التنزيل.

وأما ما يؤثر عن التابعين ففيه التفصيل، وذلك إما أن يكون التابعى معروفاً بالأخذ عن أهل الكتاب أو لا، فإن عُرِف بالأخذ عن أهل الكتاب قدم التفسير العقلى. وإن لم يُعرف بالأخذ عن أهل الكتاب وتعارض ما جاء عنه مع التفسير العقلى - كما هو الفرض - فحينئذ نلجأ إلى الترجيح، فإن تأيَّد أحدهما بسمع أو استدلال رجحناه على الآخر، وإن اشتبهت القرائن، وتعارضت الأدلة والشواهد، توقفنا فى الأمر، فنؤمن بمراد الله تعالى، ولا نتهجم على تعيينه، وينزل ذلك منزلة المجمل قبل تفصيله، والمتشابه قبل تبيينه.

وبعد.. فهذا هو التفسير العقلى بقسميه، وهذه هى نظرات العلماء إليه، وتلك

<<  <  ج: ص:  >  >>