وأطراف النهار، أن أنظم درر فوائدهما فى سمط دقيق، وأرتب غرر فرائدهما على ترتيب أنيق، وأضيف إليهما ما ألفيته فى تضاعيف الكتب الفاخرة من جواهر الحقائق، وصادفته فى أصداف العيالم الزاخرة من زواهر الدقائق، وأسلك خلالها بطريق الترصيع، على نسق أنيق وأسلوب بديع، حسبما تقتضيه جلاله شأن التنزيل، ويستدعيه جزالة نظمه الجليل، ما سنح للفكر العليل بالعناية الربانية، وسمح به النظر الكليل بالهداية السبحانية، من عوارف معارف تمتد إليها أعناق الهمم من كل ماهر لبيب. وغرائب رغائب ترنو إليها أحداق الأمم من كل نحرير أريب، وتحقيقات رصينة تقيل عثرات الأفهام فى مداحض الأقدام، وتدقيقات متينة تزيل خطرات الأوهام من خواطر الآنام، فى معارك أفكار تشتبه فيها الشئون، ومدارك أنظار تختلط فيها الظنون، وأبرز من وراء أستار الكمون، من دقائق السر المخزون فى خزائن الكتاب المكنون، ما تطمئن إليه النفوس، وتقر به العيون، من خفايا الرموز وخبايا الكنوز.. ناوياً أن أسميه عند تمامه، بتوفيق الله وإنعامه "إرشاد العقل السليم، إلى مزايا الكتاب الكريم".
ومن هنا تبين لنا، أن أبا السعود يعتمد فى تفسيره على تفسير الكشاف والبيضاوى وغيرهما ممن تقدمه، غير أنه لم يغتر بما جاء فى الكشاف من الاعتزالات. ولهذا لم يذكرها إلا على جهة التحذير منها، مع جريانه على مذهب أهل السُّنَّة فى تفسيره، ولكن نجده قد وقع فيما وقع فيه صاحب الكشاف، وصاحب أنوار التنزيل من أنه ذكر فى آخر كل سورة حديثاً عن النبى صلى الله عليه وسلم فى فضلها، وما لقارئها من الثواب والأجر عند الله، مع أن هذه الأحاديث موضوعة باتفاق أهل العلم جميعاً.
* *
* عنايته بالكشف عن بلاغة القرآن وسر إعجازه:
قرأت فى هذا التفسير فلاحظت عليه - غير ما تقدم - أنه كثير العناية بسبك العبارة وصوغها، مولع كل الولوع بالناحية البلاغية للقرآن، فهو يهتم بأن يكشف عن نواحى القرآن البلاغية، وسر إعجازه فى نظمه وأسلوبه، وبخاصة فى باب الفصل والوصل، والإيجاز والإطناب، والتقديم والتأخير، والاعتراض والتذييل، كما أنه يهتم بإبداء المعانى الدقيقة التى تحملها التراكيب القرآنية بين طيَّاتها، مما لا يكاد يظهر إلا لمن أوتى حظاً وافراً من المعرفة بدقائق اللغة العربية، ويكاد يكون صاحبنا هو أول المفسِّرين المبرزين فى هذه الناحية.
* *
* اهتمامه بالمناسبات وإلمامه ببعض القراءات:
ونلحظ على أبى السعود فى تفسيره أنه كثيراً ما يهتم بإبداء وجوه المناسبات بين