* كلمة إجمالية عن المعتزلة وأصولهم المذهبية - نشأة المعتزلة:
نشأت هذه الفِرْقة فى العصر الأموى، ولكنها شغلت الفكر الإسلامى فى العصر العباسى ردحاً طويلاً من الزمان. وأصل هذه الفِرْقة هو واصل بن عطاء الملَّقب بالغزَّال المولود سنة ٨٠ هـ (ثمانين) ، والمتوفى سنة ١٣١ هـ (إحدى وثلاثين ومائة) ، فى خلافة هشام بن عبد الملك، وذلك أنه دخل على الحسن البصرى رجل فقال: يا إمام الدين؛ ظهر فى زماننا جماعة يُكَفِّرون صاحب الكبيرة - يريد وعيدية الخوارج - وجماعة أخرى يُرجِئون الكبائر، ويقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، فكيف لنا أن نعتقد فى ذلك؟ فتفكَّر الحسن، وقبل أن يجيب قال واصل: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق، ولا كافر مطلق، ثم قام إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد، وأخذ يقرر على جماعة من أصحاب الحسن ما أجاب به، من أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، ويثبت له المنزلة بين المنزلتين، قائلاً: إن المؤمن اسم مدح، والفاسق لا يستحق المدح فلا يكون مؤمناً، وليس بكافر أيضاً، لإقراره بالشهادتين، ولوجود سائر أعمال الخير فيه، فإذا مات بلا توبة خُلِّدَ فى النار، إذ ليس فى الآخرة إلا فريقان، فريق من الجنة، وفريق فى السعير، لكن يُخَفَفُ عنه، وتكون دركته فوق دركات الكفار، فقال الحسن: اعتزل عنا واصل، فلذلك سُمى هو وأصحابه معتزلة.
ويُلَقَّب المعتزلة بالقدرية تارة، وبالمُعَطِّلة تارة أخرى، أما تلقيبهم بالقدرية، فلأنهم يسندون أفعال العباد إلى قدرتهم، وينكرون القَدَر فيها. وأما تلقيبهم بالمُعَطِّلة فلأنهم يقولون بنفى صفات المعانى فيقولون: الله عالِم بذاته، قادِر بذاته.. وهكذا.
فأنت ترى مما تقدم، أن الاعتزال نشأ فى البصرة، ولكن سرعان ما انتشر فى العراق، واعتنقه من خلفاء بنى أمية يزيد بن الوليد، ومروان بن محمد، وفى العصر العباسى، استفحل أمر المعتزلة، واحتلت أفكارهم وعقائدهم من عقول الناس وجدل العلماء مكاناً عظيماً، وما لبث أن تكوَّنت للاعتزال مدرستان كبيرتان: مدرسة البصرة،