وعلى رأسها واصل بن عطاء. ومدرسة بغداد، وعلى رأسها بشر بن المعتمر، وكان بين معتزلى البصرة ومعتزلى بغداد جدال وخلاف فى كثير من المسائل.
ولا أطيل بذكر ما كان بين المدرستين من مسائل خلافية، فإن هذه العُجَالة لا تتحمل الإطالة والتفصيل، ويكفى أن أُجمل القول فى ذكر أُصول المعتزلة، وأن أشير إلى تعدد فرقهم، ومَن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب التى أُلِّفت فى تاريخ الفِرَق، وهى كثيرة.
* *
* أصول المعتزلة:
أما أصول المعتزلة فهى خمسة: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وهذه الأصول الخمسة يجمع الكل عليها، ومَن لم يقل بها جميعاً فليس معتزلياً بالمعنى الصحيح. قال أبو الحسن الخياط أحد زعماء المعتزلة فى القرن الثالث الهجرى:"وليس يستحق أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والوعد، والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا كملت هذه الخصال فهو معتزلى".
أما التوحيد: فهو لُبِّ مذهبهم، ورأس نحلتهم، وقد بنوا على هذا الأصل: استحالة رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وأن الصفات ليست شيئاً غير الذات، وأن القرآن مخلوق لله تعالى.
وأما العدل: فقد بنوا عليه: أن الله تعالى لم يشأ جميع الكائنات، ولا خلقها ولا هو قادر عليها، بل عندهم أن أفعال العباد لم يخلقها الله تعالى، لا خيرها ولا شرها، ولم يرد إلا ما أمر به شرعاً، وما سوى ذلك فإنه يكون بغير مشيئته.
وأما الوعد والوعيد: فمضمونه، أن الله يجازى مَن أحسن بالإحسان، ومَن أساء بالسوء، لا يغفر لمرتكب الكبيرة ما لم يتب، ولا يقبل فى أهل الكبائر شفاعة، ولا يُخرج أحداً منهم من النار. وأوضح من هذا أنهم يقولون: إنه يجب على الله أن يُثيب المطيع ويُعاقب مرتكب الكبيرة، فصاحب الكبيرة إذا مات ولم يتب لا يجوز أن يعفو الله عنه، لأنه أوعد بالعقاب على الكبائر وأخبر به، فلو لم يعاقب لزم الخلف فى وعيده. وهم يعنون بذلك أن الثواب على الطاعات، والعقاب على المعاصى قانون حتمى التزم الله به، كما قالوا: إن مرتكب الكبيرة مُخَلَّدٌ فى النار ولو صَدَّق بوحدانية الله وآمن برسله، لقوله تعالى فى الآية [٨١] من سورة البقرة: {بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته فأولائك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ..