وأما المنزلة بين المنزلتين: فقد سبق أن بيَّناها فى مناظرة واصل بن عطاء للحسن البصرى.
وأما الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فهو مبدأ مقرر عندهم، وواجب على المسلمين لنشر الدعوة الإسلامية، وهداية الضالين وإرشاد الغاوين، ولكنهم بالغوا فى هذا الأصل، وخالفوا ما عليه الجمهور، فقالوا: إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يكون بالقلب إن كفى، وباللسان إن لم يكف القلب، وباليد إن لم يغنيا، وبالسيف إن لم تكف اليد، لقوله تعالى فى الآية [٩] من سورة الحجرات: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله} .. وهم فى ذلك لا يُفرِّقون بين صاحب السلطان وغيره، كما أنهم لم يُفرِّقوا بين الأصول الدينية المُجْمعُ عليها وعقائدهم الاعتزالية.
وهناك مبادئ أخرى للمعتزلة، لا يشتركون فيها، بل هى مبادئ خاصة لكل فِرْقة من فِرقهم المتعددة، التى بلغت العشرين أو تزيد، ولا أطيل بذكر هذه الفِرَق وبيان خصائص كل فِرْقة، وأحيلك على المواقف، أو التبصير فى الدين، أو الفَرْق بين الفِرَق للبغدادى، أو المِلَل والنِحل للشهرستانى، أو الفِصَل لابن حزم، لتتعرف منها هذه الفِرَق وخصائصها، إذ ليس هذا موضع التفصيل.
وبعد.. فقد عرفنا نشأة المعتزلة، وعرفنا أصولهم التى أجمعوا عليها، وما علينا بعد ذلك إلا أن نتكلم عن موقفهم الذى وقفوه من تفسير القرآن، ثم بعد ذلك نتكلم عن أهم من عرفناه من مفسِّرى المعتزلة. وعن كتبهم التى ألَّفُوها فى التفسير، ونسأل الله التوفيق والسداد.
* *
موقف المعتزلة من تفسير القرآن الكريم
* إقامة تفسيرهم على أصولهم الخمسة:
أقام المعتزلة مذهبهم على الأصول الخمسة التى ذكرناها آنفاً، ومن المعلوم أن هذه الأصول لا تتفق ومذهب أهل السُّنَّة والجماعة، الذين يعتبرون أهم خصومهم، لهذا كان من الضرورى لهذه الفِرْقة - فِرْقة المعتزلة - فى سبيل مكافحة خصومها، أن تُقيم