يشاء، فمَن أراد الله هدايته هداه، ومَن أراد ضلاله أضله، ولكنه يفر من هذا الظاهر فيقول:{لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} وأرشدتنا لدينك. أو لا تمنعنا ألطافك بعد إذ لطفتَ بنا".
وفى سورة المائدة عند قوله تعالى فى الآية [٤١] : {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً أولائك الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} .. نجد الزمخشرى لا يجزع من هذا الظاهر الذى يتشبث به أهل السُّنَّة ويتيهون به على خصومهم، بل نراه يفسِّرها حسب هواه ووفق مبدئه فيقول:{وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ} تركه مفتوناً وخذلاناً.. {فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً} فلن نستطيع له من لطف الله وتوفيقه شيئاً، أولئك الذين لم يُرد الله أن يمنحهم من ألطافه ما يُطَهِّر به قلوبهم، لأنهم ليسوا من أهلها، لعلمه أنهم لا تنفع فيهم ولا تنجع:{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله لاَ يَهْدِيهِمُ الله}[النحل: ١٠٤] .. {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ}[آل عمران: ٨٦] .
وهكذا نجد الزمخشرى بواسطة هذه التأويلات يُخْضِع لمبدئه الاعتزالى فى الجبر والاختيار مثل هذه المواضع القرآنية التى لم تكن طيَّعة له. ولكن ابن المنير السكندرى لم ترقه هذه التأويلات، ولم يُسَلِّم بها لخصمه، فأخذ يناقشه فى معنى اللُّطف مناقشة حادة ساخرة، فعندما تكلم الزمخشرى عن قوله تعالى فى الآية [٢٧٢] من سورة البقرة: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولاكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ} وتذرع بلفظ "اللُّطف" تعقبه ابن المنير فقال: "المعتقَد الصحيح، أن الله هو الذى يخلق الهدى لمن يشاء هداه، وذلك هو اللُّطف، لا كما يزعم الزمخشرى أن الهدى ليس خلقا لله إنما العبد يخلقه لنفسه، وإن أطلق الله تعالى إضافة الهدى إليه كما فى الآية فهو مؤوَّل - على زعم الزمخشرى - بلطف الله الحامل للعبد على أن يخلق هداه. إن هذا إلا اختلاق. وهذه النزعة من توابع معتقدهم السئ فى خلق الأفعال، وليس علينا هداهم، ولكن الله يهدى من يشاء، وهو المسئول ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا".
وعندما تكلَّم الزمخشرى عن قوله تعالى فى الآية [٣٩] من سورة الأنعام: {مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ، وقال:{مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ} .. أى يخذله ويخله وضلاله لم يلطف به، لأنه ليس من أهل اللُّطف. {وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أى يلطف به، لأن اللُّطف يجدى عليه. عندما قال ذلك تعقبه ابن المنير فقال: "وهذا من تحريفاته للهداية والضلالة اتباعاً لمعتقده الفاسد فى أن