هذا.. وإن المتتبع لما فى الكشَّاف من الجدل المذهبى، ليجد أن الزمخشرى قد مزجه فى الغالب بشئ من المبالغة فى السخرية والاستهزاء بأهل السُّنَّة، فهو لا يكاد يدع فرصة تمر بدون أن يُحقِّرهم ويرميهم بالأوصاف المقذعة، فتارة يسميهم المجبرة، وأخرى يسميهم الحشوية، وثالثة يسميهم المشبهة، وأحياناً يسميهم القدرية، تلك التسمية التى أطلقها أهل السُّنَّة على منكرى القَدَر، فرماهم بها الزمخشرى لأنهم يؤمنون بالقَدَر، كما جعل حديث الرسول الذى حكم فيه على القدرية أنهم مجوس هذه الأُمة مُنصَّباً عليهم، وذلك حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [١٧] من سورة فصلت: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ العذاب الهون بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} : "ولو لم يكن فى القرآن حُجَّة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبيها صلى الله عليه وسلم - وكفى به شاهداً - إلا هذه الآية لكفى بها حُجَّة".
كما سمَّاهم بهذا الاسم ورماهم بأنهم يحيون لياليهم فى تحمل فاحشة ينسبونها إلى الله تعالى، حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى فى الآيتين [٩، ١٠] من سورة الشمس: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} : "وأما قول مَن زعم أن الضمير فى "زَكّى" و "دَسَّى" لله تعالى، وأن تأنيث الراجع إلى "مَنْ" لأنه فى معنى النفس، فمن تعكس القدرية الذين يوركون على الله قَدَراً هو برئ منه ومتعال عنه، ويحيون لياليهم فى تمحل الفاحشة ينسبونها إليه".
والظاهرة العجيبة فى خصومة الزمخشرى، أنه يحرص كل الحرص على أن يُحوِّل الآيات القرآنية التى وردت فى حق الكفار إلى ناحية مخالفيه فى العقيدة من أهل السُّنَّة، ففى سورة آل عمران حيث يقول الله تعالى فى الآية [١٠٥] : {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين تَفَرَّقُواْ واختلفوا مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ البينات} .. نجد الزمخشرى بعد ما يعترف بأن الآية واردة فى حق اليهود والنصارى، يُجَوِّز أن تكون واردة فى حق مبتدعى هذه الأُمة، وينص على أنهم المشبهة، والمجبرة، والحشوية، وأشباههم.
وفى سورة يونس حيث يقول الله تعالى فى الآية [٣٩] : {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} .. يقول: "بل سارعوا إلى التكذيب وفاجأوه فى بديهة السماع قبل أن يفقهوه ويعلموا كُنْهَ أمره، وقبل أن يتدبروه ويقفوا على تأويله