للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعانيه، وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم. وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم، كالناشئ على التقليد من الحشوية، إذا أحس بكلمة لا توافق ما نشأ عليه وألفه - وإن كان أضوأ من الشمس فى ظهور الصحة وبيان الاستقامة - أنكرها فى أول وهلة، واشمأز منها قبل أن يحسن إدراكها بحاسة سمعه من غير فكر فى صحة أو فساد، لأنه لم يُشعر قلبه إلا صحة مذهبه وفساد ما عداه من المذاهب".

ولقد أظهر الزمخشرى تعصباً قوياً للمعتزلة، إلى حد جعله يُخرج خصومه السُّنِّيين من دين الله وهو الإسلام، وذلك حيث يقول عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [١٨] من سورة آل عمران: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إلاه إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم} .. الآية: "فإن قلت: ما المراد بـ "أُولى العلم" الذين عظَّمهم هذا التعظيم، حيث جمعهم معهْ ومع الملائكة فى الشهادة على وحدانيته وعدله؟ قلت: هم الذين يُثبتون وحدانيته وعدله بالحجج والبراهين القاطعة، وهم علماء العدل والتوحيد - يريد أهل مذهبه - فإن قلت: ما فائدة هذا التوكيد؟ - يعنى فى قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام} [آل عمران: ١٩] .. قلت: فائدته أن قوله: {لاَ إلاه إِلاَّ هُوَ} توحيد. وقوله: {قَآئِمَاً بالقسط} تعديل، فإذا أردفه قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام} فقد آذن أن الإسلام هو العدل والتوحيد، وهو الدين عند الله، وما عداه فليس عنده فى شئ من الدين. وفيه أن مَن ذهب إلى تشبيه أو ما يؤدى إليه كإجازة الرؤية، أو ذهب إلى الجبر الذى هو محض الجَوْر، لم يكن على دين الله الذى هو الإسلام. وهذا بيِّنٌ جَلِىٌ كما ترى".

هذه بعض الأمثلة التى يتجلى فيها تعصب الزمخشرى لمذهبه الاعتزالى، وانتصاره له. ويتضح منها مبلغ إيغاله فى الخصومة، ومقدار حملته على أهل السُّنَّة، وهناك غيرها كثير مما أثار عليه خصومه من السُّنِّيين، فتعقبوه بالمناقشة والتفنيد، وردوا بشكل حاسم على ما أورده فى كشّافه من استنتاجات اعتقادية. من آى القرآن الكريم، وقالوا: إنها جافة وقائمة على الرأى الطليق.

ومع ذلك لم يجحدوا ما كان للزمخشرى من أثر محمود فى التفسير، فنراهم - على ما بينهم وبينه من خصومه، ورغم ما سيمر بك من حملاتهم عليه - يُقَدِّرون إلى حد بعيد ما كان له من مجهود خاص فى عمله التفسيرى الذى يرجع إلى الناحية البلاغية واللُّغوية، كما نراهم فى الغالب يسطون على كتابه ويأخذون منه ما يعجبون به ويرون أنه عزيز المنال إلا على الزمخشرى.

*

<<  <  ج: ص:  >  >>