النية فيما يقول: فمن ذلك أن الزمخشرى لما تكلم عن قوله تعالى فى الآية [٣٣] من سورة الرعد: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول} .. وختم تفسيره للآية بقوله:"وهذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة التى ورد عليها، مناد على نفسه بلسان طلق ذلق: أنه ليس من كلام البشر لمن عرف وأنصف من نفسه. فتبارك الله أحسن الخالقين" لما قال الزمخشرى هذه المقالة، لم يتركها ابن المنير تمر بدون أن يُنبِّه على ما فيها فقال:"هذه الخاتمة كلمة حق أراد بها باطلاً، لأنه يُعَرِّض فيها بخلق القرآن، فتنبه لها. وما أسرع المُطالع لهذا الفصل أن يمر على لسانه وقلبه ويستحسنه، وهو غافل عما تحته، لولا هذا التنبيه والإيقاظ".
وفى الوقت نفسه لم يترك ابن المنير فرصة تمر بدون أن يكيل للزمخشرى بمثل كيله من الإقذاع فى القول والسخرية به وبأمثاله من المعتزلة، فنراه يرد هجمات الزمخشرى التى يشنها على أهل السُّنَّة بعبارات شديدة يوجهها إلى الزمخشرى وأصحابه، مع تحقيره له ولهم، واستبشاعه لتفسيره وتفسيرهم.
فمثلاً فى سورة آل عمران عندما تكلم الزمخشرى عن قوله تعالى فى الآية [١٨] : {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إلاه إِلاَّ هُوَ} .. الآية، ونوَّه بأنه وأصحابه أهل العدل والتوحيد، وأنهم أُولوا العلم المرادون بالآية، وصرَّح - أو كاد - بخروج أهل السُّنَّة من مِلَّة الإسلام. عندما تكلم الزمخشرى بهذا كله، عقَّب عليه ابن المنير بتهكمه اللاذع، وسخريته الفاضحة فقال: "وهذا تعريض بخروج أهل السُّنَّة من رِبقة الإسلام، بل تصريح، وما ينقم منهم إلا أن صدَّقوا وعد الله عباده المكرمين على لسان نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم بأنهم يرون ربهم كالقمر ليلة البدر لا يُضامون فى رؤيته، ولأنهم وحَّدوا الله حق توحيده، فشهدوا أنْ لا إله إلا هو، ولا خالق لهم ولأفعالهم إلا هو، واقتصروا على أن نسبوا لأنفسهم قدرة تقارن فعلهم، لا خلق لها ولا تأثير غير التمييز بين أفعالهم الاختيارية والاضطرارية. وتلك هى المُعَبَّرُ عنه شرعاً بالكسب فى مثل قوله تعالى:{فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى: ٣٠] .
هذا إيمان القوم وتوحيدهم، لا كقوم يغيرون فى وجه النصوص، فيجحدون الرؤية التى يظهر أن جحدهم لها سبب فى حرمانهم إياها، ويجعلون أنفسهم الخسيسة شريكة لله فى مخلوقاته، فيزعمون أنهم يخلقون لأنفسهم بما شاءوا من أفعال على خلاف مشيئة ربهم، محادة ومعاندة لله فى مُلكه، ثم بعد ذلك يتسترون بتسمية