أنفسهم: أهل العدل والتوحيد، والله أعلم بمن اتقى، وَلَجَبْرٌ خيرٌ من إشراك، إن كان أهل السُّنَّة مجبرة فأنا أول المجبِّرين.
ولو نظرت أيها الزمخشرى بين الإنصاف إلى جهالة القدرية وضلالها لانبعثتَ إلى حدائق السُّنَّة وظلالها، ولخرجتَ من مزالق البدع ومزَّالها - ولكن كره الله انبعاثهم - ولعلمتَ أى الفريقين أحق بالأمن، وأولى بالدخول فى أُولى العلم المقرونين فى التوحيد بالملائكة المشرفين بعطفهم على اسم الله عَزَّ وجَلَّ".
وفى سورة المائدة عند قوله تعالى فى الآية [٤١] : {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً أولائك الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} .. الآية، نراه يُمعن فى السخرية من المعتزلة، ويغرق فى النكير على تفسير الزمخشرى لهذه الآية. وذلك حيث يقول: "كم يتلجلج والحق أبلج. هذه الآية - كما تراها - منطبقة على عقيدة أهل السُّنَّة فى أن الله تعالى أراد الفتنة من المفتونين، ولم يرد أن يُطَهِّر قلوبهم من دنس الفتنة ووضر الكفر، لا كما تزعم المعتزلة من أنه تعالى ما أراد الفتنة من أحد، وأراد من كل أحد الإيمان وطهارة القلب، وأن الواقع من الفتن على خلاف إرادته، وأن غير الواقع من طهارة قلوب الكفار مراد، ولكن لم يقع، فحسبهم هذه الآية وأمثالها - لو أراد الله أن يطهر قلوبهم من وضر البدع:{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ}[محمد: ٢٤] .
وما أبشع صرف الزمخشرى هذه الآية عن ظاهرها بقوله: لم يرد الله أن يمنحهم ألطافه، لعلمه أن ألطافه لا تنجع فيهم ولا تنفع، فلطف مَن ينفع؟ وإرادة مَن تنجع؟ وليس وراء الله للمرء مطمع".
ولقد يتطرف ابن المنير فيرمى خصومه من المعتزلة بالشرك، ففى سورة يونس عند تفسير الزمخشرى لقوله تعالى فى الآية [٣١] : {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض} ... الآية، نرى ابن المنير يقول: وهذه الآية كافحة لوجوه القدرية، الزاعمين أن الأرزاق منقسمة، فمنها ما رزقه الله للعبد وهو الحلال، ومنها ما رزقه العبد لنفسه وهو الحرام، وهذه الآية ناعية عليهم هذا الشرك الخفى لو سمعوا:{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ}[يونس: ٤٢] ..
وإنَّا لنرى ابن المنير يعتمد فى حملاته الساخرة القاسية التى يحملها على الزمخشرى، على ما يعتمد عليه الزمخشرى فى حملاته على أهل السُّنَّة، أو على