النخعى: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستحبون ألاَّ يُطَلِّقوا أزواجهم للسُّنَّة إلا واحدة، ثم لا يُطَلِّقوا غير ذلك حتى تنقضى العِدَّة، وكان أحسن عندهم من أن يُطلِّق الرجل ثلاثاً فى ثلاثة أطهار. وقال مالك بن أنس رضى الله عنه: لا أعرف طلاق السُّنَّة إلا واحدة، وكان يكره الثلاث مجموعة كانت أو متفرقة.
وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنما كرهوا ما زاد على الواحدة فى طُهر واحد، فأما مُفرَّقاً فى الأطهار فلا، لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عمر حيث طلَّق امرأته وهى حائض:"ما هكذا أمرك الله، إنما السُّنَّة أن تستقبل الطُهر استقبالاً، وتُطلِّقها لكل قُرء تطليقه". وروى أنه قال لعمر:"مر ابنك فليراجعها، ثم ليدعها حتى تحيض ثم تطهر، ثم ليُطلِّقها إن شاء، فتلك العِدَّة التى أمر الله أن تُطَّلَق لها النساء".
وعند الشافعى رضى الله عنه لا بأس بإرسال الثلاث، وقال: لا أعرف فى عدد الطلاق سُنَّة ولا بدعة، وهو مباح.
فمالك يراعى فى طلاق السُّنَّة الواحدة والوقت. وأبو حنيفة يراعى التفريق والوقت. والشافعى يراعى الوقت وحده".
* *
* موقف الزمخشرى من الإسرائيليات:
ثم إن الزمخشرى مُقِلٌ من ذكر الروايات الإسرائيلية، وما يذكره من ذلك إما أن يُصَدِّره بلفظ "روى"، المُشعر بضعف الرواية وبُعدها عن الصحة، وأما أن يُفَوِّض علمه إلى الله سبحانه، وهذا فى الغالب يكون عند ذكره للروايات التى لا يلزم من التصديق بها مساس بالدين، وإما أن يُنَبِّه على درجة الرواية ومبلغها من الصحة أو الضعف ولو بطريق الإجمال، وهذا فى الغالب يكون عند الروايات التى لها مساس بالدين وتَعلُّق به.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٣٥] من سورة النمل: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} .. الآية، نجده يذكر هذه الرواية فيقول: "روى أنها بعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجوارى، وحليهم الأساور والأطواق والقرطة، راكبى خيل مغشَّاة بالديباج محلاَّة اللُّجُم والسروج بالذهب المرصَّع بالجواهر، وخمسمائة جارية على رماك فى زِىِّ الغلمان، وألف لَبِنة من ذهب وفضة، وتاجاً مكَّلَلاً بالدُّرِ والياقوت المرتفع والمسك والعنبر، وحُقاً فيه دُرَّة عذراء وجزعة معوجة الثقب، وبعثت رجلين من أشراف قومها: المنذر ابن عمرو، وآخر ذا رأى وعقل، وقالت: إن كان نبياً مَيَّز بين الغلمان والجوارى، وثقب الدُرَّة ثقباً مستوياً، وسلك فى الخرزة خيطا. ثم قالت للمنذر: