ففى سورة البقرة عند قوله تعالى فى الآية [٢٢٢] : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النسآء فِي المحيض وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين} .. يقول:" ... وبين الفقهاء خلاف فى الاعتزال، فأبو حنيفة وأبو يوسف يوجبان اعتزال ما اشتمل عليه الإزار. ومحمد بن الحسن لا يوجب إلا اعتزال الفَرْج، وروى محمد حديث عائشة رضى الله عنها: أن عبد الله بن عمر سألها: هل يباشر الرجل امرأته وهى حائض؟ فقال: تشد إزارها على سفلتها، ثم ليباشرها إن شاء، وما روى زيد بن أسلم: أن رجلاً سأل النبى صلى الله عليه وسلم: ما يحل لى من امرأتى وهى حائض؟ قال: "لتشد عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها"، ثم قال: وهذا قول أبى حنيفة، وقد جاء ما هو أرخص من هذا عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: "يجتنب شعار الدم وله ما سوى ذلك". وقرئ "يطَّهرن" بالتشديد، أى يتطهرن، بدليل قوله:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} .. وقرأ عبد الله: "حتى يتطَّهرْن" و "يَطْهرن" بالتخفيف، والتطهر الاغتسال، والطُهر انقطاع دم الحيض. وكلتا القراءتين مما يجب العمل به، فذهب أبو حنيفة إلى أن له أن يقربها فى أكثر الحيض بعد انقطاع الدم وإن لم تغتسل وفى أقل الحيض لا يقربها حتى تغتسل أو يمضى عليها وقت صلاة. وذهب الشافعى إلى أنه لا يقربها حتى تَطْهر وتَطَّهر فتجمع بين الأمرين، وهو قول واضح، ويعضده قوله:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} ".
وعندما فَسَّر قوله تعالى فى الآية [٢٣٧] من سورة البقرة: {إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح} .. قال:"والذى بيده عقدة النكاح الولى، يعنى إلا أن تعفو المطلقَّات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر، وتقول المرأة: ما رآنى، ولا خدمته، ولا استمتع بى، فكيف آخذ منه شيئاً. أو يعفو الولى الذى يلى عقد نكاحهن، وهو مذهب الشافعى. وقيل هو الزوج وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملاً، وهو مذهب أبى حنيفة، والأول ظاهر الصحة".
وفى سورة الطلاق عند قوله تعالى فى الآية [١] : {ياأيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ العدة} .. يقول ما نصه:"فطلقوهن مستقبلات لعدتهن، كقولك: أتيته لليلة بقيت من المحرَّم، أى مستقبلاً لها. وفى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فى قبل عِدَّتهم"، وإذا طُلِّقت المرأة فى الطُهْر المتقدم للقُرْءِ الأول من أقرائها فقد طُلِّقت مستقبلة لعِدَّتها.
والمراد أن يُطَّلقَن فى طُهر لم يُجامَعْنَ فيه، ثم يُخلين حتى تنقضى عدتهن، وهذا أحسن الطلاق، وأدخله فى السُّنَّة، وأبعده من الندم، ويدل عليه ما روى عن إبراهيم