للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسياط عذابنا فضاربوك، فاسأل ربك أن يكفَّ أيدينا عنك، فجعل سلمان يقول: اللَّهم اجعلنى على البلايا صابراً، وجعلوا يضربونه بسياطهم حتى أعيوا وملُّوا، وجعل

سلمان لا يزيد على قوله: اللَّهْم اجعلنى على البلايا صابراً، فلما مَلُّوا وأعيوا قالوا: يا سلمان؛ ما ظننا أن روحاً تثبت فى مقرها على مثل هذا العذاب الوارد عليك، فما بالك لا تسأل ربك أن يكفّنا عنك؟ قال: لأن سؤال ذلك ربى خلاف الصبر، بل سلَّمتُ لإمهال الله تعالى لكم، وسألته الصبر، فلما استراحوا قاموا بعد إليه بسياطهم فقالوا: لا نزال نضربك بسياطنا حتى تزهق روحك أو تكفر بمحمد، فقال: ما كنتُ أفعل ذلك، فإن الله قد أنزل على محمد: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} ، وإن احتمالى لمكارهكم لأدخل فى جملة مَن مدحه الله بذلك سهل علىَّ يسير، فجعلوا يضربونه بسياطهم حتى مَلُّوا، ثم قعدوا وقالوا: يا سلمان؛ لو كان لك عند ربك قدر لإيمانك بمحمد لاستجاب دعاءك وكفَّنا عنك، فقال سلمان: ما أجهلكم!! كيف يكون مستجيباً دعائى إذا فعل بى خلاف ما أريد منه، أنا أردت منه الصبر فقد استجاب لى فصبرت، ولم أسأله كفكم عنى فيمنعنى حتى يكون ضد دعائىكما تظنون، فقاموا إليه ثالثة بسياطهم فجعلوا يضربونه وسلمان لا يزيد على قوله: اللَّهم صبِّرنى على البلايا فى حب صفيك وخليلك محمد، فقالوا له: يا سليمان؛ ويحك! أو ليس محمد قد رخَّص لك أن تقول كلمة الكفر به بما تعتقد ضده للتقية؟ فقال سلمان: إن الله قد رخَّص لى ذلك ولم يفرضه علىّ، بل أجاز لى ألا أعطيكم ما تريدون وأحتمل مكارهكم، وجعله أفضل المنزلتين، وأنا لا أختار غيره، ثم قاموا إليه بسياطهم وضربوه ضرباً كثيراً وسيَّلوا دماءه، وقالوا له وهم ساخرون: لو لم تسأل الله كفّنا عنك ولا تُظهر لنا ما نريد منك لنكفّ به عنك فادع علينا بالهلاك إن كنتَ من الصادقين فى دعواك أن الله لا يرد دعاءك بمحمد وآله الطيبين الطاهرين، فقال سلمان: إنى لأكره أن أدعوا الله بهلاككم مخافة أن يكون فيكم مَن قد علم الله أن سيؤمن من بعد فأكون قد سألت الله اقتطاعه عن الإيمان، فقالوا: قل: اللَّهم أهْلِك مَن كان فى علمك أنه يبقى إلى الموت على تمرده، فإنك لا تصادف بهذا الدعاء ما خِفْته، قال: فانفرج له حائط البيت الذى هو فيه مع القوم وشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يا سلمان؛ ادع عليهم بالهلاك فليس فيهم أحد

يرشد. كما دعا نوح على قومه لما عرف أنه لن يؤمن من قومه إلا مَن قد آمن، فقال سلمان: كيف تريدون أن أدعو عليكم بالهلاك؟ فقالوا: تدعو الله بأن يقلب سَوْط كل واحد منا أفعى تعطف رأسها ثم تمشش عظام سائر بدنه.. فدعا الله بذلك، فما من سياطم سَوْط إلا قلبه الله تعالى أفعى لها رأسان تتناول برأس رأسه، وبرأس آخر يمينه التى كان فيها سوطه، ثم رضضتهم ومششتهم وبلعتهم والتقمتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى مجلسه: معاشر المؤمنين؛ إن الله

<<  <  ج: ص:  >  >>