لأن الإتيان على الله لا يجوز، كذلك النواصب اقترحوا على رسول الله فى نصب أمير المؤمنين علىّ إماماً، واقترحوا.. حتى اقترحوا المحال، وذلك أن رسول الله لما نص على علىّ بالفضيلة والإمامة، وسكن إلى ذلك قلوب المؤمنين وعاند فيه أصناف الجاحدين من المعاندين، وشك فى ذلك ضعفاء من الشاكين، واحتال فى السلم من الفريقين من النبى وخيار أصحابه ومن أصناف أعدائه جماعة المنافقين، وفاض فى صدورهم العداوة والبغضاء، والحسد والشحناء، حتى قال قائل المنافقين: لقد أسرف محمد فى مدح نفسه، ثم أسرف فى مدح أخيه علىّ، وما ذاك من عند رب العالمين، ولكنه فى ذلك من المتقوِّلين، يريد أن يثبت لنفسه الرياسة علينا حياً ولعلىّ بعد موته، قال الله تعالى: يا محمد؛ قل لهم: وأى شئ أنكرتم من ذلك؟ هو عظيم كريم حكيم، ارتضى عباداً من عباده، قد اختصهم بكرامات، لما علم من حسن طاعتهم ولانقيادهم لأمره، ففوَّض إليهم أمور عباده، وجعل إليهم سياسة خلقه بالتدبير الحكيم الذى وفقهم له، أفلا ترون لملوك الأرض إذا ارتضى أحدهم خدمة بعض عبيده ووثق بحسن اصطناعه بما يندب له من أُمور ممالكه، جعل ما وراء بابه إليه واعتمد فى سياسة جيوشه ورعاياه عليه؟ كذلك محمد فى التدبير الذى رفعه له ربه، وعلىّ من بعده الذى جعله وصيه وخليفته فى أهله، وقاضى دينه ومنجز عداته، والموازر لأوليائه والمناصب لأعدائه، فلم يقنعوا بذلك ولم يُسلِّموا، وقالوا: ليس الذى تسنده إلى ابن أبى طالب أمراً صغيراً إنما هو دماء الخلق، ونساؤهم، وأولادهم، وأموالهم، وحقوقهم، وأنصباؤهم، ودنياهم، وأخراهم، فلتأتنا بآية تليق بجلالة هذه الولاية، فقال
رسول الله: أما كفاكم نور علىّ الْمشْرِق فى الظلمات الذى رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله؟ أما كفاكم أن علياً جاز والحيطان بين يديه ففتحت له وطُرِّقت ثم عادت والتأمت؟ أما كفاكم يوم غدير خُم أن علياً لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة والملائكة فيها مطلعين تناديكم: هذا ولى الله فاتبعوه وإلا حَلَّ بكم عذاب الله فاحذروه؟ أما كفاكم رؤيتكم علىّ بن أبى طالب وهو يمشى والجبال تسير من بين يديه لئلا يحتاج إلى انحراف عنها، فلما جاز رجعت الجبال إلى أماكنها؟ ثم قال: اللَّهم زدهم آيات فإنها عليك سهلات يسيرات لتزيد حُجَّتك عليهم تأكيداً. قال: فرجع القوم إلى بيوتهم فأرادوا دخولها فاعتقلتهم الأرض ومنعتهم ونادتهم: حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية علىّ، قالوا: آمنا.. ودخلوا.. ثم ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها فثقلت عليهم ولا يقلوها، ونادتهم: حرام عليكم سهولة نزعنا حتى تقروا بولاية علىّ، فأقروا.. ونزعوها.. ثم ذهبوا يلبسون ثياب الليل فثقلت عليهم ونادتهم: حرام عليكم لبسنا حتى تعترفوا بولاية علىّ، فاعترفوا.. ثم ذهبوا يأكلون فثقلت عليهم اللقم وما لم يثقل منها استحجر فى أفواههم وناداهم: حرام عليكم