للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غريب كراماته، وما اشتهر بين الخاص والعام، أنه قد أصابته السكتة فظنوا به الوفاة فغسلوه وكفنوه ودفنوه ثم رجعوا، فلما أفاق وجد نفسه فى القبر ومسدوداً عليه سبيل الخروج عنه من كل جهة، فنذر فى تلك الحالة أنه إذا نجى من تلك الداهية ألَّف كتاباً فى تفسير القرآن، فاتفق أن بعض النبَّاشين قصده لأخذ كفنه، فلما كشف عن وجه القبر أخذ الشيخ بيده، فتحيَّر النباش، ودهش مما رآه، ثم تكلم معه فأزداد به قلقاً، فقال له: لا تخف، أنا حى وقد أصابتنى السكتة ففعلوا بى هذا، ولما لم يقدر على النهوض والمشى من غاية ضعفه، حمله النبَّاش على عاتقه وجاء به إلى بيته الشريف، فأعطاه الخلعة وأولاه مالاً جزيلاً، وتاب على يده النبَّاش، ثم إنه بعد ذلك وفى بنذره الموصوف، وشرع فى تأليفه مجمع البيان".

وكانت وفاته ليلة النحر سنة ٨٣٥ هـ (ثمان وثلاثين وخمسمائة من الهجرة) .

* *

* الكلام على هذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:

قبل أن أخوض فى الكلام عن هذا التفسير أرى أن أسوق ما جاء فى مقدمة هذا التفسير للمؤلف رحمه الله، لما جاء فيه من بيان الحوافز التى دفعت مؤلفه إلى تأليفه، ولما أوضحه لنا من طريقته التى سلكها فى تفسيره، فهو أدرى بها وأعلم..

*

* الدواعى التى حملت الطبرسى على كتابة هذا التفسير:

ذكر الطبرسى هذه الدواعى فقال: " ... وقد خاض العلماء قديماً وحديثاً فى علم تفسير القرآن، واجتهدوا فى إبراز مكنونه وإظهار مضمونه، وألَّفوا فيه كتباً جمَّة غاصوا فى كثير منها إلى أعماق لججه، وشققوا الشعر فى إيضاح حججه، وحققوا فى تفتيح أبوابه وتغلغل شعابه، إلا أن أصحابنا - رضى الله عنهم - لم يدوِّنوا فى ذلك غير مختصرات نقلوا فيها ما وصل إليهم فى ذلك من الأخبار، ولم يعنوا ببسط المعانى فيه وكشف الأسرار، إلا ما جمعه الشيخ الأجل السعيد، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى من كتاب التبيان، فإنه الكتاب الذى يُقتبس من ضيائه الحق، ويلوح عيه رواء الصدق، وقد تضمن فيه من المعانى الأسرار البديعة، واختصر من الألفاظ اللغة الوسيعة، ولم يقنع بتدوينها دون تبينها، ولا بتنميقها دون تحقيقها، وهو القدوة أستضئ بأنواره، وأطأ مواقع آثاره، غير أنه خلط فى أشياء مما ذكره فى الإعراب والنحو الغث بالسمين، والخاثر بالزباد، ولم يميز الصلاح مما ذكر فيه والفساد، وأدى الألفاظ فى مواضع من متضمناته قاصرة عن المراد، وأخلَّ بحسن الترتيب وجودة التهذيب، فلم يقع له لذلك من القلوب السليمة الموقع المرضى، ولم يعل من الخواطر الكريمة المكان العلى".

<<  <  ج: ص:  >  >>