"وقد كنت فى ريعان الشباب وحداثة السن، وريَّان العيش ونضارة الغصن، كثير النزاع شديد التشوق إلى جمع كتاب فى التفسير، ينتظم أسرار النحو اللطيفة، ولمع اللُّغة الشريفة، ويفى موارد القراءات من متوجهاتها، مع بيان حججها الواردة من جميع جهاتها، ويجمع جوامع البيان فى المعانى المستنبطة من معادنها، المستخرجة من كوامنها، إلى غير ذلك من علومه الجمَّة، مطلعة من الغلف والأكمة، فيعترض لذلك جوائح الزمان، وعوائق الحدثان، وواردات الهموم، وهفوات القدر المحتوم، وهلم جرآ إلى الآن، وقد زرف سنى على الستين واشتعل الرأس شيباً، وامتلأت العيبة عيباً، فحدانى على تصميم هذه العزيمة ما رأيت من عناية مولانا الأمير السيد الأجل العالِم، ولى النعِيم جلال الدين ركن الإسلام، فخر آل رسول الله صلى الله عليه وآله، أبَى منصور محمد بن يحيى بن هبة الله الحسين - أدام الله علاه - بهذا العلم، وصدق رغبته فى معرفة هذا الفن. وقصر همه على تحقيق حقائقه، والاحتواء على جلائله ودقائقه، والله عَزَّ اسمه المسئول أن يحرس للإسلام والمسلمين رفيع حضرته، ويفيض على الفضل والفضلاء سجال سيادته، ويمد على العلم والعلماء أمداد سعادته.. فأوجبتُ على نفسى إجابته إلى مطلوبه، وإسعافه بمحبوبه، واستخرتُ الله تعالى، ثم قصرت وهَمْى وهَمِّى على اقتناء هذه الذخيرة الخطيرة، واكتساب هذه الفضيلة النبيلة، وشمرتُ عن ساق الجد، وبذلتُ غاية الجهد والكد، وأسهرتُ الناظر، وأتعبتُ الخاطر، وأطلتُ التفكير، وأحضرتُ التفاسير، واستمددتُ من الله التوفيق والتيسير".
* *
* وصف الطبرسى لتفسيره:
ثم وصف الطبرسى تفسيره فقال:"وابتدأتُ فى تأليف كتاب هو فى غاية التلخيص والتهذيب، وحسن النظم والترتيب، يجمع أنواع هذا العلم وفنونه، ويحوى فصوصه وعيونه، من علم قراءاته وإعرابه ولغاته، وغوامضه ومشكلاته، ومعانيه وجهاته، ونزوله وأخباره، وقصصه وآثاره، وحدوده وأحكامه - وحلاله وحرامه، والكلام على مطاعن المبطلين فيه، وذكرنا ما يتفرد به أصحابنا - رضى الله عنهم - من الاستدلال بمواضع كثيرة منه على صحة ما يعتقدونه من الأصول والفروع، والمعقول والمسموع، على وجه الاعتدال والاختصار، فوق الإيجاز دون الإكثار، فإن الخواطر فى هذا الزمان لا تحمل أعباء العلوم الكثيرة، وتضعف عن الإجراء فى الحلبات الخطيرة، إذ لم يبق من العلماء إلا الأسماء، ومن العلوم إلا الذماء". * *