وهو أيضاً يخالف المعتزلة فى حقيقة الإيمان، فلذلك لما عرض لتفسير قوله تعالى فى الآية [٣] من سورة البقرة: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} .. قال ما نصه:".. وقالت المعتزلة بأجمعها: الإيمان هو فعل الطاعة، ثم اختلفوا فمنهم مَن اعتبر الفرائض والنوافل. ومنهم مَن اعتبر الفرائض فحسب. واعتبروا الاجتناب من الكبائر كلها، وقد روى العام والخاص عن علىّ بن موسى الرضا: أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان، وقد روى ذلك على لفظ آخر منه أيضاً: الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان بالعقول، واتباع الرسول.
وأقول أنا: أصل الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاءت به رسله. وكل عارف بشئ فهو مصدِّق به، يدل عليه هذه الآية، فإنه تعالى لما ذكر الإيمان علَّقه بالغيب، ليعلم أنه تصديق للمخبر فيما أخبر به من الغيب على معرفة وثقة، ثم أفرده بالذكر عن سائر الطاعات البدنية والمالية وعطفها عليه فقال:{وَيُقِيمُونَ الصلاة وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، والشئ لا يُعطف على نفسه إنما يُعطف على غيره، ويدل عليه أيضاً أنه تعالى حيث ذكر الإيمان أضافه إلى القلب فقال:{وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان}[النحل: ١٠٦] ، وقال:{أولائك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان}[المجادلة: ٢٢] .. وقال النبى صلى الله عليه وسلم: "الإيمان سر - وأشار إلى صدره - والإسلام علانية" وقد يسمى الإقرار إيماناً كما يسمى تصديقاً إلا أنه متى صدر على شك أو جهل كان إيماناً لفظياً لا حقيقياً، وقد تُسمى أعمال الجوارح أيضاً إيماناً استعارة وتلويحاً كما يسمى تصديقاً كذلك، فيقال: فلان تُصدِّق أفعاله مقاله، ولا خير فى قول لا يصدقه الفعل. والفعل ليس بتصديق حقيقى باتفاق أهل اللُّغة، وإنما استعير هذا الاسم على الوجه الذى ذكرناه. فقد آل الأمر مع تسليم صحة الخبر وقبوله إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب والتصديق به على نحو ما تقتضيه اللُّغة، ولا يُطلق لفظه إلا على ذلك. إلا أنه يستعمل فى الإقرار باللسان والعمل بالأركان مجازاً واتساعاً، وبالله التوفيق".
* *
* روايته للأحاديث الموضوعة:
هذا.. ولا يفوتنا أن نقول: إن الطبرسى رحمه الله لم يكن صادقاً فى وصفه لكتابه هذا بأنه محجة للمحدِّث، ذلك لأنَّا تتبعناه فوجدناه غير موفق فيما يروى من الأحاديث فى تفسيره، فقد أكثر من ذكر الموضوعات، خصوصاً ما وضعه الشيعة ونسبوه إلى النبى صلى الله عليه وسلم أو إلى أهل البيت مما يشهد لمعتقداتهم ويدل على تشيعهم.