للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نموقفه من الإسرائيليات:

وكثيراً ما يروى الطبرسى فى تفسيره الروايات الإسرائيلية معزوَّة إلى قائليها، ونلاحظ عليه أنه يذكرها بدون أن يُعقِّب عليها.. اللَّهُمَ إلا إذا كانت مما يتنافى مع العقيدة، فإنه ينبه على كذب الرواية، ويبين ما فيها من مجافاتها للحق وبُعدها عن الصواب، فمثلاً عند قوله تعالى فى الآية [٢١] وما بعدها من سورة (ص) : {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب * إِذْ دَخَلُواْ على دَاوُودَ ... .} ... الآيات، نجده يقول: "واختلف فى استغفار داود من أى شئ كان، فقيل: إنه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخضوع والتذلل بالعبادة والسجود، كما أخبر سبحانه عن إبراهيم بقوله: {والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين} [الشعراء: ٨٢] .. وأما قوله: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} [ص: ٢٥] فالمعنى أنَّا قبلناه منه وأثبتناه، فأخرجه على لفظ الجزاء مثل قوله: {يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢] ، وقوله: {الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} [البقرة: ١٥] . فلما كان المقصود من الاستغفار والتوبة القبول قيل فى جوابه: "غفرنا" وهذا قول من يُنَزِّه الأنبياء عن جميع الذنوب من الإمامية وغيرهم. ومَن جوَّز على الأنبياء الصغائر قال: إن استغفاره كان لذنب صغير وقع منه، ثم إنهم اختلفوا فى ذلك على وجوه:

أحدها: أن أُوريا بن حيّان خطب امرأة وكان أهلها أرادوا أن يُزوِّجوها منه، فبلغ داود جمالها فخطبها أيضاً فزوَّجوها منه، فقدَّموه على أوربا، فعوتب داود على الدنيا.. عن الجبائى.

وثانيها: أنه أخرج أُوريا إلى بعض ثغوره فقُتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته، فعوتب على ذلك بنزول المَلَكين.

وثالثها: أنه كان فى شريعته أن الرجل إذا مات وخلَّف امرأته فأولياؤه أحق بها إلا أن يرغبوا عن التزوج بها، فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوج، فلما قُتل أُوريا خطب داود امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته أولياءه يخطبوها فعوتب على ذلك.

ورابعها: أن داود كان متشاغلاً بالعبادة فأتاه رجل وامرأة متحاكمين فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها وذلك مباح، فمالت نفسه إليها ميل الطباع ففصل بينهما وعاد إلى عبادة ربه، فشغله الفكر فى أمرها عن بعض نوافله فعوتب.

وخامسها: أنه عوتب على عجلته فى الحكم قبل التثبت، وكان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيها ويحكم عليه قبل ذلك، وإنما أنساه التثبت فى الحكم فزعه من دخولهما عليه فى غير وقت العادة.

وأما ما ذُكر فى القصة أن داود كان كثيرا الصلاة فقال: يا رب فضَّلتَ علىّ إبراهيم فاتخذَتُه خليلاً، وفضَّلتَ علىّ موسى فكلَّمتَه تكليماً، فقال: يا داود إنا ابتليناهم بما

<<  <  ج: ص:  >  >>